كيف جعلت الصين من «هواوي» محور صراع أممي؟
كان من المفترض أن يكون 2019، العام الذي ترسخ فيه «هواوي» مكانتها كرائد عالمي في تقنية شبكات الجيل الخامس للاتصال الخلوي، لكنها تحولت إلى محور صراع بين الولايات المتحدة والصين في حربهما التجارية، والأكثر أن واشنطن شجعت حلفاءها على حظر استخدام معدات الشركة.
ساعدت عشرات المليارات من الدولارات المقدمة لـ "هواوي تكنولوجيز" في صورة مساعدات مالية من الحكومة الصينية، في دفع الشركة إلى قمة قطاع الاتصالات العالمي، في حين بدت الحوافز الرئيسية التي حصل عليها منافسوها من حكوماتهم متواضعة للغاية.ولأول مرة كشفت مراجعة أجرتها "وول ستريت جورنال" حول المنح المقدمة للشركة، والتي تشمل تسهيلات ائتمانية وإعفاءات ضريبية وغيرها من أشكال المساعدة المالية، عن حصول "هواوي" على دعم حكومي يصل إلى 75 مليار دولار.هذه المساعدات ساهمت بشكل رئيس في تحوّل الشركة من مجرد منتج غير معروف لمحولات الاتصالات الهاتفية إلى أكبر منتج لمعدات الاتصال عالميًا، ومكّنتها من تقديم شروط تمويل سخية وخفض أسعارها بنحو 30 في المئة عن المنافسين، والمنافسة على بناء شبكات اتصالات الجيل الخامس المثيرة للجدل حول العالم.
في حين أن الدعم المالي للشركات أو الصناعات المفضلة للحكومات أمر شائع في العديد من البلدان، فإن مساعدة الصين لـ "هواوي"، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية التي بدأت قبل 25 سنة، من بين العوامل التي أثارت تساؤلات حول علاقة الشركة ببكين.
«هواوي» في قلب الصراع
- كان من المفترض أن يكون 2019، العام الذي ترسخ فيه "هواوي" مكانتها كرائد عالمي في تقنية شبكات الجيل الخامس للاتصال الخلوي، لكنها تحولت إلى محور صراع بين الولايات المتحدة والصين في حربهما التجارية، والأكثر أن واشنطن شجعت حلفاءها على حظر استخدام معدات الشركة.- الخلاف حول الاستعانة بمعدات "هواوي" يهدد بتقسيم الائتلاف الحاكم في ألمانيا بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل، خاصة بعدما ألمح سفير الصين في برلين إلى الانتقام من شركات مثل "فولكس فاغن" و"مرسيدس"، في حين يفكر حلفاء واشنطن الآخرون في فرض قيود أمنية بدلًا من الحظر الكامل.- يقول مسؤولون بالحكومة الأميركية إن شركة هواوي خطيرة، لأنها قد تستخدم نفوذها المتزايد في سوق معدات الاتصال للتجسس لمصلحة الحكومة الصينية، وفي عام 2012، وصف تقرير صادر عن لجنة الاستخبارات بمجلس النواب شركتي هواوي و"زد تي إي" بأنهما "تهديدان أمنيان محتملان".- في عام 2018، رفض الرئيس دونالد ترامب محاولة استحواذ "برودكوم" التي كانت تتخذ من سنغافورة مقرًا في ذلك الوقت، على شركة "كوالكوم" الأميركية لصناعة الرقاقات الإلكترونية، خشية تقلص استثمارات الولايات المتحدة في هذه التقنية، وترك الريادة العالمية لـ "هواوي".- تزايدت المخاوف مع استعداد الشركة لإنفاق المليارات على إنتاج شبكات الجيل الخامس ونشرها، وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن الولايات المتحدة قد تحجم عن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع حلفائها في "ناتو" إذا استخدموا معدات "هواوي".مساعدات مالية سخية
- أظهرت مراجعة الصحيفة أن الجزء الأكبر من المساعدة (نحو 46 مليار دولار) جاء من القروض وخطوط الائتمان، وغيرها من أشكال الدعم عبر المقرضين الحكوميين في الصين، ووفرت الشركة 25 مليار دولار من الضرائب بين عامي 2008 و2018 بفضل حوافز الدولة لقطاع التقنية.- من بين المساعدات الأخرى، حصلت "هواوي" على 1.6 مليار دولار في صورة منح، وملياري دولار كخصومات على أسعار الأراضي، ومع ذلك تقول الشركة إنها تلقّت دعمًا صغيرًا وغير مادي لتعزيز البحث العلمي، في حين تعللت بأن الإعفاء الضريبي كان متاحًا للآخرين في قطاع التقنية.- تظهر السجلات الحكومية في مدينة دونغوان بجنوب الصين، شراء "هواوي" أكثر من عشر قطع من الأراضي المملوكة للدولة في مزادات غير تنافسية إلى حد كبير خلال الفترة بين عامي 2014 و2018، لكنها دفعت ما بين 10 و50 في المئة من متوسط الأسعار المفروضة، لتوفر بذلك نحو ملياري دولار.- من جانبه، قال متحدث باسم الشركة إن "هواوي" كانت ولا تزال ملتزمة بالأنظمة الضريبية حول العالم، مضيفا أن المسؤولين المحليين في الصين بدأوا خفض أو إعفاء الشركة من الضرائب، بما في ذلك ضريبة الدخل والقيمة المضافة، في أوائل التسعينيات.- على جانب آخر، قدّم مصرف الصين للتنمية وبنك الصادرات والواردات الصيني أكثر من 30 مليار دولار في صورة خطوط ائتمانية لعملاء "هواوي" على مدار العقدين الماضيين، وبلغ سعر الفائدة على القروض المقدمة لعملاء الشركة في الاقتصادات النامية 3 في المئة خلال العقد الأول، وهي تكلفة منخفضة.الدعم لم يكن مادياً فقط
- مساعدة بكين لـ "هواوي" ليست كلها قابلة للقياس الكمي، ففي عام 1999 على سبيل المثال، تدخّلت الحكومة المركزية بشكل استثنائي لإنقاذ الشركة من مزاعم التهرب الضريبي، بعد حصولها على إعفاءات ضريبية في 1998.- ذهب عمدة مدينة شنتشن التي يوجد بها مقر الشركة لي زيبين، لعرض موقف "هواوي" على نائب رئيس الحكومة آنذاك وو بانغ غو، الذي جمع فريقًا من مراجعي الحسابات لتطهير المستندات في غضون أسابيع (كلاهما رفض الرد على طلبات الصحيفة للتعليق).- خلال السنوات الخمس المنتهية في 2018، كان حجم المنح المقدمة للشركة، والتي أعلن عنها رسميًا يعادل 17 ضعف حجم الدعم الذي حصلت عليه "نوكيا" الفنلندية، والتي تعد ثاني أكبر شركة في العالم لصناعة معدات الاتصالات، في حين لم تقل ثالث أكبر شركة "إريكسون" إنها تلقت مساعدات في هذه الفترة.- من وجهة نظر أميركية، فإن بكين لم تكتفِ بتقديم الدعم المادي فقط لـ "هواوي" وغيرها من شركات التقنية الكبرى، وإنما استخدمت قوانين مكافحة الاحتكار للتضييق على الشركات الأجنبية العاملة في الصين مثل "مايكروسوفت" و"فولكس فاغن" لتعزيز أعمال المنافسين المحليين.- كما ترى واشنطن أن بكين لا تبذل قصارى جهدها لفتح أسواقها أمام المستثمرين الأجانب، علاوة على ضعف القانون في ما يتعلق بضمان حقوق الملكية والتنافسية ومكافحة الاحتكار، وأن التشريع يكون نافذًا فقط إذا كان يصب في مصلحة الشركات الوطنية.