في حكم قضائي بارز، أيدت محكمة التمييز الجزائية، برئاسة المستشار صالح المريشد، تغريم موظف في مركز الخدمة التابع لإدارة المرور في برج التحرير 10 آلاف دينار وعزله من الوظيفة، بعد إهماله بترك جهازه في العمل مفتوحا، وترتّب عليه قيام مجهول بتغيير بيانات 30 مركبة من نوع نسّاف مسجلة لدى وزارة الداخلية بأنها مطلوبة للأقساط، وترتّب على ذلك تحويلها لآخر، مما أدى الى خسارة الشركة المالكة للسيارات نحو مليون وأربعمئة ألف دينار.

وكانت محكمة الجنايات قد قضت بحبس المتهم الأول 10 سنوات، بعد إدانته بجريمة التزوير بالاشتراك مع شخص مجهول لإثبات بيانات 30 مركبة مسجلة على إحدى الشركات بأنها غير مطلوبة على الأقساط، مما ترتب عليه ضرر بالشركة المالكة، بأن أتم المجهول تلك التغييرات على جهاز المتهم الثاني، الموظف الذي ترك جهازه مفتوحا، تاركا كلمة السر.

Ad

وبينما قضت محكمة أول درجة بحبس المتهم الثاني سنة مع الشغل والنفاذ و500 دينار كفالة لوقف النفاذ، قضت "الاستئناف" بإلغاء حكم الحبس الصادر بحقه وبتغريمه 10 آلاف دينار، بعدما ثبتت إدانته بتهمة الإهمال وإلحاق ضرر جسيم بأموال الغير، وهي سيارات الشركة التي قام مجهول بتغيير بياناتها من خلال جهازه، الذي تركه مفتوحا في أوقات عدم وجوده بالعمل، واتهامه بعدم المحافظة على الرقم السرّي حتى مكّن المتهم المجهول من استخدام جهازه وتنفيذ إنجاز معاملات تحويل 30 سيارة الى المتهم الأول، رغم أنها مطلوبة بالأقساط بقيمة مليون 493 ألف دينار.

إهمال وتفريط

وقالت محكمة التمييز، في إدانتها للمتهم المهمل بترك جهاز الحاسب الآلي خاصته مفتوحا، مما سهّل على المجهول نقل المركبات، إن المشرّع حدّد صور الخطأ في هذه المادة، وهي الإهمال والتفريط في أداء الوظيفة أو الإخلال بواجباتها، أو الإساءة في استعمال السلطة.

ولفتت الى أن الإهمال في نطاق الأموال والوظائف العامة هو صورة من صور الخطأ الذي ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادي في مثل ظروفه، وقوامه تصرّف إرادي خاطئ يؤدي الى نتيجة ضارة توقّعها الفاعل، أو كان عليه أن يتوقّعها، لكنّه لم يقبل أحداثها ولم يقبل وقوعها - والسلوك المعقول العادي للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئة والعُرف، ومألوف الناس في أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها - فإن قعد عن بذل القدر الذي يبذله أكثر الناس تهاونا في أمور نفسه، كان تصرّفه خطأ.

أضرار جسيمة

وذكرت المحكمة أن تقدير ذلك الخطأ المستوجب لمسؤولية مرتكبه هو مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكان الثابت أن المتهم الثاني يعمل بوظيفة مدخل بيانات في مركز خدمة برج التحرير، وأنه خلال فترة وظيفته ترك جهاز الحاسب الآلي الذي يعمل عليه دون حماية، كما أهمل في المحافظة على سريّة رقم التشغيل الخاص به، مما ترتب عليه ولوج مجهول الى جهازه، وتمكّن من حذف جميع القيود والأقساط الثابتة على المركبات محل الدعوى، وإثبات عدم استحقاقها لأي أقساط، الأمر الذي أصاب الشركة المجني عليها بأضرار جسيمة، مما تكون معه الجريمة المسندة إليه قد توافرت أركانها في حقه، أخذا بالأدلة السالف بيانها لسلامة مأخذها واطمئنان المحكمة إليها، لتساندها مع بعضها البعض.

وأوضحت أنه لما كانت الصورة التي استخلصتها المحكمة من أقوال الشهود وما قرره المتهم الموظف بالتحقيقات التي أوردتها لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، ولها أصلها الثابت في الأوراق، ولا تناقض فيها حسبما استخلصتها المحكمة، وكان ما يثيره وكيل المتهم بانعدام عنصري الإهمال والتفريط أو الخطأ في حق المتهم في وجه من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل ردا خاصا من الحكم، إذ الرد يستفاد ضمنا من القضاء بالإدانة استنادا الى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، واطمأنت اليها المحكمة.

وقالت المحكمة انه استقر في عقيدتها بيقين لا يلابسه شك أن المتهم الموظف في الزمان والمكان الواردين بتقرير الاتهام قد ارتكب الجريمة المسندة إليه، الأمر الذي يتعيّن معه، وعملا بالمادة 172/1 من قانون الإجراءات والمحاكمات عقابه بمادة الاتهام، ومن ثم تقضي المحكمة بعزله من وظيفته، عملا بالفقرة الثالثة من المادة الرابعة عشرة من القانون رقم 1 لسنة 1993 بشأن حماية الأموال العامة.