نقطة : نبي استجواب أتفه
بغض النظر عن مدى دستورية الاستجواب من عدمها، فالنائب البشوش عادل الدمخي نجح بالصوت الواحد بعد أن كانت معارضته له مسألة مبدأ، ثم اختفى مبدأه هذا وها هو يمثل الأمة خير تمثيل، كما أنه كان يرفض الحلول الأمنية في البحرين، بينما يعتبرها الآن من قبيل الطعن باللحمة الخليجية. لذا فقد كان يفترض منه، اتساقاً مع نفسه ودينه وضميره، وقبل أن يطالب بمحاسبة الوزيرة، أن يحاسب نفسه، ولو كان لديه قليل من الاحترام لقواعده ومريديه لتقدم قبل تقديم صحيفة الاستجواب باعتذاره إليهم، على الأقل عن اختفاء مبدئه وسوء تقديره وتناقضاته، فهذه بالتأكيد أفعال ومواقف أكثر طعناً لهم ولبقية "الشعب الكويتي" المغلوب على أمره من كلمة عابرة لوزيرة مستجدة. ثم ولو أن الوزيرة قالت "مغازلة للشارع"، وهو بالمناسبة مصطلح سياسي دارج، أو قالت "أنباء ومغالطات نسبت إليها"، فإذا لم يكن المستجوِب طرفاً بهذه المغازلات والأنباء والمغالطات فلماذا يزعجه كلامها؟!القصة ليست هنا، بل في مواقف الوزيرة المعلنة، قبل توزيرها، من الحريات والتيارات الإسلامية وجمعياتها، وغيرها من الآراء التي لا تعجب المستجوِب ولا زملاءه من الإسلاميين والقبليين وغيرهم من "تحالف قوى الرجعية"، ممن أعلنوا مواقفهم وأطلقوا أحكامهم قبل سماع الاستجواب أصلاً، ناهيك عن دفاع الوزيرة، باختصار إنه استجواب لتكميم الأفواه مقدم من عضو لجنة حقوق إنسان محسوب علينا مدافعاً عن الحريات ومعارضاً لاستبداد السلطة... وهذه حدوتة أخرى أيضاً، فكأنهم يقولون لكم لا تعبروا عن آرائكم، التي لا تعجبنا، واحتفظوا بها لأنفسكم، وإذا أردتم أن يكون لكم مستقبل سياسي أو عملي في هذا البلد فالتزموا الصمت، أو كونوا معنا، ولو رياءً، فنحن القوى الأكثر تنظيماً ونشاطاً وتأثيراً على الأرض. ولكن، لأنه يعلم يقيناً أنه من الصعب عليه التركيز بشكل مباشر على ماضي الوزيرة الأسود من وجهة نظره، إما لصعوبات دستورية أو لما قد يفتحه ذلك من جبهات أخرى هو في غنى عنها الآن، سواء مع المغردين أو المدافعين عن الحريات أو غيرهم؛ فإنه اضطر للالتفاف من بعيد والتعلق بقشة "المغازلة"، لترهيب السادة الوزراء بالمرة من محاولات الدفاع عن أنفسهم بالمستقبل، كما أن مهاجمة الحكومة أمرٌ مُكسِب دائماً، وربطه كذلك موضوع المغالطات بالبحرين بشكل أوضح، ليبدو الاستجواب رغم كل ذلك تافهاً من حيث الشكل، لكن المسكوت عنه والمتفق عليه أكبر من ذلك.
وقف المستجوِب، وأمثاله كثر، في لحظة تاريخية معينة بصف أشخاص لهم رمزيتهم، فمنحوه وزناً وقيمة، بسبب اصطفافه بجانبهم لا لقيمته الذاتية، إلا أن ذلك الموقف الطارئ يجب ألا يمنحه وأمثاله "كارت بلانش" مدى الحياة، فيدخله جنة التحصين والترميز، ويعفيه من النقد والتشريح، وإلا كان ذلك انتهاكاً للمبادئ والقيم المنادى بها من الأساس، ومن ثم فقد نصل لاتفاق بعد ذلك بأن "هيك" نواب لابد أن تكون هكذا طبيعة استجواباتهم المتوقعة، فالقماش الرديء لا يمكنه أن يخاط لنا منه ثوب فاخر، فلا دائرة واحدة ولا ٣٠ دائرة ستؤثر، ولا صوت واحد ولا عشرين صوتاً ستصنع الفارق، فالمشكلة ليست في ورقة التصويت، المشكلة في مكان آخر.