كنوز في جزيرة رثَّة
جزيرة فيلكا في خطر محدق، ويجب النظر إليها من زاويتين، الأولى أنها جزء من التراب الوطني، والثانية أن إرثها ملك للبشرية، ومن هذين المنطلقين يجب أن تبدأ عملية تطوير جزيرتنا الحزينة.
أول العمود:يجب على مجلس الوزراء عزل أي قيادي يخرج بتصريحات استهزائية كاذبة وهمية حول أعمال مؤسسته، ويجب وقف هذه المهزلة.
*** أتاح لي الزميل د.حسن أشكناني أستاذ الأنثروبولوجي والباحث في تاريخ الآثار بجامعة الكويت فرصة جميلة لزيارة المعالم التاريخية في جزيرة فيلكا قبل يومين، وقد سجلت عدداً من الملاحظات التي وددتُ أن أتشارك فيها مع من يقرأ هذا المقال. بدايةً، تحتض هذه الجزيرة البائسة والرثة– بفعلنا وسلوكنا- كنوزاً من الإرث الإنساني من العصر البرونزي والهلينستي والإسلامي، يمتد عمر أقدمها أكثر من 3 آلاف سنة قبل الميلاد، استطاعت الفرق الآثارية والتنقيبية العاملة تحت إشراف المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المحافظة على ما تم العثور عليه قبل الاستقلال، وتحديداً عام 1958مع قدوم البعثة الدنماركية، والكشف عن مواقع أخرى ذات قيمة لا تضاهى. هذا الإرث- الذي لا نعي قيمته- يقع في جزيرة رائعة مساحة وموقعاً، لكنها بائسة لما يجري فيها اليوم من نشاطات سياحية منخفضة المهنية. لا أعلم كيف تم اتخاذ قرار بإفراغ الجزيرة من سكانها بعد تحرير البلاد من الغزو العراقي، هذا القرار غريب فعلاً، أن تقتلع جزءاً من شعب توارث الحياة منذ أكثر من 3 قرون في جزيرة لها من خصوصيات الحياة اليومية وطقوسها لنأتي بهم إلى بر الدولة! مضى على هذا القرار 29 عاما وبيوتهم أطلال! لا أعلم أيضاً لماذا يتغاضى العقل الكويتي عن إهمال هذا "المكون البشري الإنساني والحضاري العالمي" دون توظيفه ضمن الروح السلمية للدولة الكويتية واتخاذه منطلقاً للحديث مع الإنسان الآخر في العالم؟ إزالة بعض المعالم من الجزيرة بحجج دينية واهية كان خطأ فادحاً، وأقصد هنا ما يُعتقد أنه "مقام الخضر" الذي تم هدمه! أليس لكل شعب أساطير؟ أوليس للأساطير فعل في تشكيل هوية الشعوب؟ينطلق البعض من وجهات نظر تتعلق بتطوير الجزيرة لتكون سياحية، وهذا المنطق سلاح ذو حدين: الأول مُدمر وملخصه أن تتحول إلى سياحية كأي جزيرة أخرى تنشط فيها السباحة والصيد والترفية وركوب القوارب واستعراض الدلافين، وأظن أن هذا السيناريو هو الأقرب لمنطلقات السادة المطورين!أما الثاني- المأمول- فهو الصيانة والبحث عن المزيد من المواقع الأثرية، وإضافة لمسات جديدة متناغمة مع التكوين الإنساني البشري الذي ضمته الجزيرة وجعلها مكاناً ملهماً يعود بنا إلى تلك القرون، ومعرفة تفاصيل الحياة لدى من استوطنوا فيها منذ البداية حتى عام 1990 المشؤوم. وأستذكر هنا الفكرة الرائدة التي طرحها الفنان المسرحي سليمان البسام في تشييد مسرح روماني على إحدى واجهات الجزيرة على الساحل، كما أدعو لتصفح كتاب "الخليج ومحيطه" الذي تطرق بحسرة وطنية إلى مآلات الجزيرة، وهو من إصدار المجلس الوطني للثقافة الذي جاء يلخص نتائج مؤتمر فينيسيا للعمارة 2016.جزيرة فيلكا في خطر محدق، ويجب النظر إليها من زاويتين، الأولى أنها ضمن السيادة الكويتية، والثانية أن إرثها ملك للبشرية، وهذه معادلة دقيقة يجب فهمها باتزان، ومن هاتين الزاويتين يجب أن تبدأ عملية تطوير جزيرتنا الحزينة.