خيارات التحرك الإيراني... صاروخية وبحرية وعبر الوكلاء
اندلاع مواجهة قد يُوقف «نفط هرمز» لكن الجمهورية الإسلامية لا تتحمّل حرباً
غداة تصفية قائد "فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني ونائب هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبومهدي المهندس، بضربة أميركية في بغداد، وصل التوتّر بين إيران والولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له منذ احتل طلاب إيرانيون السفارة الأميركية في طهران عام 1979.وهدّد حكام إيران من رجال الدين والقادة العسكريين بالثأر. وسبق أن استخدم المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي والرئيس الأميركي دونالد ترامب لغة التهديد والوعيد خلال عدة أزمات، لكن لم يُبد أي منهما اهتماما بالحرب الشاملة، إلا أنه لا يمكن استبعاد حدوث مواجهة عسكرية.ويواجه خامنئي معضلة، فإذا دعا إلى ضبط النفس، فقد يبدو ضعيفاً في الداخل وبين الوكلاء الذين وسّعوا نطاق النفوذ الإيراني. ولهذا السبب، فقد تلجأ إيران إلى خيار الانتقام على نطاق أصغر.
واعتبر كريم سجادبور، وهو باحث بارز في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، أن على خامنئي أن يزن ردّ الفعل بعناية. وقال: "الاستجابة الضعيفة تخاطر بفقدان ماء الوجه، والاستجابة المفرطة في القوة تخاطر بفقدان رأسه. خامنئي هو الخصم الدولي الأكثر أهمية بالنسبة لترامب في عام 2020".ووفقاً لتقرير أصدرته وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية في ديسمبر الماضي، فإن القوة العسكرية الإيرانية تعتمد على 3 قدرات أساسية هي: برنامج الصواريخ الباليستية والقوات البحرية، التي يمكن أن تهدد الملاحة في الخليج الغني بالنفط، ووكلاء الفصائل التابعة لها في بلدان مثل سورية والعراق ولبنان.وردا على مقتل سليماني، يمكن لطهران أو وكلائها مهاجمة ناقلات النفط في الخليج والبحر الأحمر، وهو ممر شحن عالمي رئيسي للنفط وغيره من التجارة، لأنه يربط المحيط الهندي بالبحر المتوسط عبر قناة السويس.
إغلاق «هرمز»
وقد تؤدي المواجهة العسكرية أو التوتر المتزايد إلى وقف تدفّق النفط عبر مضيق هرمز، الذي يمر عبره خُمس إنتاج النفط العالمي. ويمكن لمثل هذا الانقطاع، ولو لفترة قصيرة، أن يؤثر على واشنطن والعديد من البلدان في جميع أنحاء العالم.ولا تستطيع إيران من الناحية القانونية إغلاق الممر المائي من جانب واحد، لأن جزءا منه في المياه الإقليمية لسلطنة عمان. ومع ذلك، تمرّ السفن عبر المياه الإيرانية، التي تقع تحت مسؤولية بحرية "الحرس الثوري".ويمكن لطهران استخدام صواريخها وطائراتها المسيّرة والألغام وزوارقها السريعة ومنصات إطلاق الصواريخ في منطقة الخليج لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.تكتيكات ووكلاء
ووضع قتل سليماني القوات الأميركية المتمركزة في الشرق الأوسط في حالة تأهب قصوى، مع زيادة الخطر من ردّ انتقامي. وتعتمد إيران بشكل أساسي على تكتيكات غير متوقعة وعلى وكلائها الإقليميين لمواجهة الأسلحة الأميركية الأكثر تطوراً.ونقلت إيران طائراتها المسيّرة وخبرتها الفنية إلى الحلفاء. واستخدم الحوثيون اليمنيون صواريخ وطائرات إيرانية الصنع لقصف مطارات في السعودية. واتهمت واشنطن والرياض طهران بتنفيذ هجمات على ناقلات نفط بالقرب من المضيق العام الماضي، كما حمّلتا طهران المسؤولية عن هجمات على منشأتي نفط بالمملكة في سبتمبر الماضي، وهو ما نفته الجمهورية الإسلامية.واستخدمت الفصائل المدعومة من إيران في العراق قذائف المورتر والصواريخ لمهاجمة القواعد التي تتمركز فيها القوات الأميركية.وفي يونيو، اقتربت طهران من الحرب مع واشنطن، بعد أن أسقطت طائرة أميركية مسيّرة بصاروخ سطح/ جو في تحرّك كاد يؤدي إلى ضربات انتقامية أميركية.صبر ونفوذ
ويرى مراقبون أن من غير المرجح أن تسارع إيران، التي يعرف عنها التحلّي بـ "سياسة الصبر"، لاتخاذ إجراء ثأري متسرّع، لكنّهم يعتقدون أن "إيران ليس لديها خيار سوى الرد والانتقام".من جانب آخر، أثبتت إيران وحلفاؤها أن نفوذهم واسع النطاق، ففي عام 1994، قاد أحد أعضاء "حزب الله" اللبناني المدعوم من إيران شاحنة محملة بالمتفجرات إلى مبنى جمعية المساعدة اليهودية الأرجنتينية، مما تسبب في مقتل 85 شخصا. وتلقي الأرجنتين باللوم على طهران و"حزب الله" في الهجوم، وهو ما ينفيانه.كما تلقي الأرجنتين باللوم على الحزب اللبناني في الهجوم على السفارة الإسرائيلية في بوينس أيرس عام 1992، والذي أدى إلى مقتل 29 شخصا.ويرى مسؤولون أميركيون وأرجنتينيون أن "حزب الله" ينشط فيما يعرف بمنطقة الحدود الثلاثية بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، حيث يموّل اقتصاد غير مشروع عملياته.ويتوقع البعض أن الرد الإيراني سيكون عبر "هجمات بالوكالة ضد المصالح الأميركية وحلفاء واشنطن على المستوى الإقليمي وحتى العالمي".الدبلوماسية لا المواجهة
في الماضي، أبقى قادة إيران الباب مفتوحا أمام الدبلوماسية لتحقيق أهدافها، ولا سيما عندما يتعرّض اقتصادها لضغوط شديدة بسبب العقوبات الأميركية الهادفة إلى إضعاف قيادتها.وأوضح دبلوماسي إقليمي رفيع المستوى أنه "سبق أن عملت إيران وأميركا معا في أفغانستان والعراق ومناطق أخرى. لديهما مصالح مشتركة وأعداء مشتركون. سيدفع الجانبان ثمناً باهظاً في المواجهة العسكرية، لكن بوسع الدبلوماسية حل الكثير من المشاكل، كما أنها خيار".وقال: "في الوقت الذي يتوقع كثيرون حرباً عالمية ثالثة، فإن العقود الأربعة الأخيرة من تاريخ إيران تبرز أن الشيء الأهم بالنسبة للجمهورية الإسلامية هو بقاؤها. طهران لا تتحمل حربا شاملة مع الولايات المتحدة، في الوقت الذي ترزح تحت وطأة عقوبات اقتصادية مرهقة واضطرابات داخلية، ولا سيما من دون سليماني".