بعد يومين من تمرير البرلمان التركي مذكّرة تفويض الرئيس رجب طيب إردوغان لإرسال قوات عسكرية لدعم حكومة طرابلس برئاسة فايز السراج، عقد مجلس النواب الليبي، أمس، جلسة طارئة بمدينة بنغازي، صوّت خلالها بالإجماع على رفض الاتفاقيتين الأمنية والبحرية الموقعتين بينهما في 27 ديسمبر بإسطنبول.

وصوّت أعضاء المجلس على إحالة الموقّعين على الاتفاقيتين مع تركيا، وفي مقدمتهم السراج ووزيرا الخارجية والداخلية إلى النائب العام بتهمة الخيانة العظمى. كما طالب نواب بتفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك لصدّ التدخل التركي، وسحب الشرعية من حكومة الوفاق بطرابلس.

Ad

وشكلت لجنة الخارجية بالبرلمان الليبي فريقاً قانونياً لمحكمة العدل الدولية لإبطال اتفاقية السراج مع تركيا، مؤكدة أنه سيتم الطلب من مجلس الأمن عقد جلسة طارئة.

وفي وقت سابق، أعلن حفتر مساء أمس الأول «النفير العام لمواجهة أي قوات أجنبية»، معتبراً أن الاتفاقية الأمنية المبرمة بين حكومة السراج مع تركيا «خيانة خنوع وذلّ وبلا سند شعبي أو دستوري أو أخلاقي».

وقال حفتر، في كلمة متلفزة، «المعركة اليوم لم تعد من أجل تحرير العاصمة فحسب، بل أصبحت حرباً ضروساً في مواجهة مستعمر غاشم يرى في ليبيا إرثه التاريخي باستعادة إمبراطورية بناها أجداده. ويحشد قواته اليوم لغزونا واحتلال أرضنا واستعباد شعبنا من جديد».

وأضاف حفتر: «سننبذ خلافاتنا ونعلن الجهاد والنفير والتعبئة الشاملة ونحمل السلاح رجالا ونساء وعسكريين ومدنيين، ونستعد بكل ما أعطانا الله من قوة وما في قلوبنا من إيمان للدفاع عن عرضنا وأرضنا وشرفنا»، مؤكدا أن «المعركة الحاسمة في طرابلس تشرف على النصر، وستصبح في مواجهة مستعمر غاشم».

ولاحقاً، أكدت شركة «سرت لتصنيع النفط والغاز»، التي أوقفت في يونيو الماضي التعامل مع تركيا، وضع إمكاناتها كافة لدعم حفتر في صراعه مع السراج على تحرير العاصمة من الظلم والتبعية، داعية إلى «الاصطفاف في هذه الأوقات الحرجة لصون الوطن من أن يداس بأقدام غزاة الدولة العثمانية».

وتشهد ليبيا نزاعاً وحالة من الفوضى منذ سقوط الزعيم السابق معمر القذافي في 2011. وتتنازع سلطتان على الحكم في ليبيا، هما حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة، وحكومة موازية في الشرق مدعومة من البرلمان المنتخب وقوات حفتر.

غوتيريس وشكري

إلى ذلك، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تركيا، من دون أن يسمّيها، من مغبّة إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، معتبرا أنّ «أيّ دعم أجنبي للأطراف المتحاربة لن يؤدي إلا إلى تعميق الصراع، وسيزيد من تعقيد الجهود المبذولة للتوصل إلى حلّ سياسيّ سلمي وشامل».

وإذ شدد غوتيريس على أنّ «التقيّد الصارم بالحظر ضروري لتهيئة بيئة مؤاتية لوقف الأعمال القتالية»، جدّد «دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار وعودة جميع الأطراف إلى الحوار السياسي».

وفي ثاني بيان لها خلال ساعات، شددت مصر مجددا على موقفها الرافض للتدخل التركي في الشأن الليبي، مؤكدة أن وزير خارجيتها سامح شكري أجرى اتصالات مع كل من الأمين العام للأمم المتحدة ومستشار الأمن القومي الألماني والممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بخصوص الملف الليبي لتأكيد رفض التصعيد التركي، وضرورة تفعيل كل الآليات الممكنة للحيلولة دون حدوث أي تدخّل في ليبيا بما يخالف القانون الدولي والحفاظ على فرص التوصل إلى حل سياسي من خلال عملية برلين».

اتصالات دولية

وغداة سماح البرلمان التركي بنشر قوات في ليبيا، هاتف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأول وعبر عن قلقه من «مخاطر التصعيد المرتبطة بتزايد التدخلات العسكرية الأجنبية»، منددا «بوضوح بالاتفاقات الموقعة أخيراً» من حكومة السراج، إضافة إلى «كل قرارات التصعيد».

وقبل تأكيد «بوتين وماكرون تأييدهما لحل سلمي للازمة ودعمهما للجهود السياسية والدبلوماسية، خصوصاً مع وساطة الأمم المتحدة وألمانيا»، حذّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اتصال هاتفي الخميس مع إردوغان من أن أي «تدخّل أجنبي يعقّد» الوضع في ليبيا.

وفي اتصال مماثل تناول التوتر المتزايد في المنطقة، خصوصاً بين وواشنطن وطهران في العراق، بحث الرئيس الفرنسي مع نظيره التركي تطورات الأزمة في ليبيا، مؤكدا أنه لا حل عسكريا، وضرورة دعم الحوار الليبي في مؤتمر برلين، مكرراً «الإجماع الأوروبي الواضح لانتهاك القانون الدولي للبحار» باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين طرابس وأنقرة.

عواقب قارية

وفي تحذير من من «العواقب خطيرة» لأزمة ليبيا على مجمل القارة، أعرب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي محمد، أمس الأول، عن قلقه إزاء «التدخل» التركي المحتمل وتدهور الوضع ومعاناة الشعب الليبي المستمرة»، مشددا على «الالتزام الثابت بحل سياسي شامل تقوم فيه جميع الأطراف الفاعلة السياسية والاجتماعية بالدور القيادي».

وقال محمد، في بيان، أن «التهديدات المختلفة بالتدخل السياسي أو العسكري في الشؤون الداخلية للبلد تزيد خطر المواجهة بدوافع لا تمتّ بصلة إلى المصالح الأساسية للشعب الليبي وتطلعاته للحرية والسلام والديمقراطية والنمو»، مطالبا أيضا المجتمع الدولي بالانضمام إلى إفريقيا في بحثها عن تسوية سياسية.