جاء اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، مثيراً لاحتمالات تصعيد كبير في منطقة مهووسة بالاضطرابات والحروب، وليفتح الباب مجدداً حول مشروعية الاغتيالات السياسية، وانتهاكات القانون الدولي، التي يمارسها الجميع، ويشكو منها الجميع.الاغتيال منذ الخليقة، كسلوك بشري لا جديد فيه للأسف، يعبر عن رغبة في تحقيق هدف بسفك الدماء، كطريق للهيمنة والاستئثار بالنفوذ والثروة أو إزاحة الخصوم. ومن أشهرها تاريخياً، اغتيال بروتوس ليوليوس قيصر في مارس 44 قبل الميلاد، والمشهورة بمقولة قيصر "حتى أنت يابروتوس؟"، دلالة على خيانته.
أغلب الاغتيالات كان للوصول إلى حكم، ومع ذلك فقد يزول الحاكم، ولكن تبقى سياقات النظام ثابتة. إلا أن أكثرها تأثيراً كان لأسباب عمومية، أو انتقاماً من شخصية قيادية، ليست حاكمة بالضرورة. بعض الاغتيالات جزء من مؤامرة لترتيب مسارات بنزاع ما، أو للتغطية على حدث معين، أو حرف الانتباه. فذلك النوع من الاغتيالات قد يؤدي إلى انخراط فئات أكبر في ردود الأفعال الدموية.كان من أشهر الاغتيالات ذات النتائج المباشرة مقتل فرانز فيرديناند، ولي عهد النمسا، أثناء زيارته لسراييفو في يونيو 1914، بيد جافريللو برنسب ذي الـ19 عاماً. تجاوزت آثار ذلك الاغتيال كل التوقعات، بما صرنا نعرفه اليوم بالحرب العالمية الأولى. لا أظن أن برنسب أو جماعته، أو أي محلل سياسي، كان يتخيل أن ثلاث رصاصات ستؤدي إلى حرب عالمية، وسايكس بيكو، وسان ريمو، وتقسيم الشرق الأوسط، بالنسبة لنا.ومن الاغتيالات المشهورة اغتيال إبراهام لنكولن، أكثر الرؤساء شعبية، في أبريل 1895، حين كان يشاهد مسرحية، دون حراسة، فتسلل القاتل، جون ويلكس بوث مطلقاً الرصاص برأسه. أما جون كينيدي، الذي اغتيل في نوفمبر 1963، واتهموا فيه لي اوزوالد، الذي اغتاله بدوره جاك روبي، بعد يومين قبل المحاكمة، مدعياً بأن دافعه كان حزنه على كينيدي، ولتجنيب جاكلين حضور المحاكمة، وباغتيال اوزوالد دفن سر اغتيال كينيدي، مما أشعل قريحة هوليوود بأفلام لفك اللغز. كذلك كان اغتيال المهاتما غاندي، الذي اغتاله الهندوسي المتعصب، ناتورام جودس. وانديرا غاندي، التي قتلها اثنان من حرسها الشخصي في أكتوبر 1984، انتقاماً لتدمير المعبد الذهبي السيخي. أما ابنها راجيف فقد اغتالته امرأة انتحارية من التاميل مايو 1991، عند محاولتها لمس قدميه ففجرت نفسها، ويقال إن التاميل هم من أدخلوا الأحزمة الناسفة بسياق العنف السياسي. أسماء الأشخاص الذين تم اغتيالهم لا تنتهي، وكلهم كانوا مؤثرين بدرجة أو بأخرى، حاول من اغتالهم إزاحتهم عن الساحة لسبب أو لآخر، من أمثال مالكولم اكس، وروبرت كينيدي، ومارتن لوثر كينغ، وبناظير بوتو، ورفيق الحريري، وأخيراً قاسم سليماني، وغيرهم كثير. فما هو سياق الاغتيال الأخير، وتداعياته؟
أخر كلام
اغتيالات غيرت مسارات التاريخ
06-01-2020