أكد خبراء نفطيون أن سحب المخزونات العالمية من الأسواق في اطار تعميق خفض الانتاج لدول «اوبك بلس» والذي وصل إلى 1.7 مليون برميل يوميا، قد يعيد التوازن إلى الأسواق في العام الجديد، سواء من حيث الاسعار أو استقرار السوق النفطي.

ورأى الخبراء، في تحقيق أجرته «الجريدة»، أن ذلك الاتفاق لن يجدي نفعا، ولن يحقق الأهداف المرجوة منه دون التزام تام من الدول التي تضم «أوبك» وحلفاءها، كي تنجح عملية هيكلة الأسعار الحالية حتى الوصول إلى الأسعار العادلة.

Ad

وأشاروا إلى أن هناك أجواء إيجابية حالياً بين الولايات المتحدة والصين بشأن خلافهما التجاري، لافتين إلى أن تسوية المشكلة بين هاتين القوتين الاقتصاديتين الكبيرتين ستعمل على تعزيز حجم التجارة، وزيادة القوة الشرائية على خام النفط، مع مساعدتها في تعزيز الطلب العالمي، ويبدو هذا واضحاً حالياً من خلال ارتفاع واردات الصين من النفط، بالإضافة إلى ذلك هناك اهتمام متزايد من بيوت الاستثمار العالمية على شراء عقود النفط وتعزيز مراكزها المالية.

وذكروا إلى أن هناك انخفاضاً في مخزونات النفط الأميركية، مما يدلل على أن السحب من تلك المخزونات سيعمل على منح الأسعار دعما إضافيا.

في الوقت نفسه، حذر الخبراء من أن العوامل الجيوسياسية قد تؤثر بالسلب على الأسعار، فضلاً عن تحديات البيئة والطاقة المتجددة، التي قد تكون عاملاً قوياً في سحب 20 في المئة من الطلب على النفط؛ مشيرين إلى استمرار ذلك والوصول إلى ذروة الإقبال على الطاقة المتجددة حتى عام 2030... وإلى التفاصيل
.

في البداية، استعرض الخبير النفطي محمد الشطي تطورات الربع الأخير من 2019 ، وقال انه شهد تعافيا ملحوظا في أسعار النفط، ومسوغ ذلك كان التحول الإيجابي الذي ساد أسواق النفط وحفز التغير.

وقال الشطي إنه مع اقتراب الانتخابات الأميركية بدأت بوادر انفراجة في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما كانت له آثار طيبة على الأسواق، وبدأ المحللون يتحدثون عن أن الأسوأ قد انتهى فيما يتعلق بالاقتصاد العالمي، ورأينا مؤشرات اقتصادية إيجابية تتعلق بأوروبا والصين وأميركا، وهو ما يعني تعزيز معدل الزيادة في الطلب العالمي على النفط.

توقعات

وتوقع أن يكون معدل الزيادة في انتاج النفط الصخري أقل خلال عام 2020 عما كان عليه في السنوات السابقة وهو يعني تقييد للمعروض في السوق، واستمرار هيكلة أسعار نفط خام الإشارة برنت، فضلاً عن استمرار تأثر الإنتاج في بعض مناطق الإنتاج لأسباب سياسية، مثل فنزويلا وإيران، بالإضافة إلى اتفاق "أوبك بلس"، والذي قادته السعودية وروسيا، والذي يقضى بتعميق خفض الانتاج خلال الربع الاول من 2020، مع تعهد السعودية بخفض اضافي مقداره 400 الف برميل يوميا اذا ما التزمت بقية الدول بالاتفاق وهو أيضا يساعد في تقييد المعروض.

وأضاف أن المحصلة هي استمرار سحوبات المخزون النفطي الأميركي، مما يعطي مؤشراً بتوازن أسواق النفط.

اتجاه صعودي

وذكر الشطي أن اسعار النفط اتخذت اتجاهاً تصاعديا وتقترب اسعار نفط خام الاشارة برنت من 68 دولارا للبرميل، واسعار نفط خام دبي عند 66 دولاراً، مبيناً أن المتابع لتوجهات السوق يجد هناك دعماً لاسعار النفط من خلال عدة عوامل يمكن حصرها فيما يلي:

1- استمرار السحوبات من المخزون النفطي الخام الأميركي مما يؤكد استمرار اتجاه السوق نحو التوازن، مع تناقص المعروض في السوق واستمرار هيكلة الأسعار، وهو ما يعني قوة مستويات الأسعار حاليا.

2- أجواء إيجابية افضل بين أميركا والصين حول تسهيل التجارة وإيقاف التصعيد وبالتالي جاءت انطباعات السوق ببدء تحسن الاقتصاد العالمي وانتهاء الأسوأ، مما ينعكس على تعزيز مستويات الطلب، فضلاً عن استمرار ارتفاع واردات الصين من النفط الخام، وارتفاع مبيعات النفط من الولايات المتحدة.

3- التصريحات الواردة من روسيا، والتي تؤكد استمرار التعاون مع منظمة "أوبك" بقصد توازن اسواق النفط.

4- تصريحات وزيرَي النفط السعودي والكويتي، والتي تؤكد تدرج عودة الانتاج من المنطقة المقسومة وبالتزام متوسط التخفيض المعلن عنه من اجل استمرار التعاون لتوازن السوق النفط.

5- استمرار ارتفاع انتاج النفط الصخري ولكن بمعدلات اقل عما كانت في الأعوام السابقة وهو ما يعني تقييداً للمعروض في اسواق النفط وتصورات افضل للسوق في عام 2020.

6- عودة اهتمام بيوت الاستثمار بشراء عقود النفط، وتعزيز المراكز المالية، وهو بلا شك مؤشر اكيد على دعم اسواق النفط والاسعار.

مؤشرات اقتصادية

وأشار الشطي الى ان جميع المؤشرات الاقتصادية من الصين وأميركا وأوروبا تشير الى التعافي، الأمر الذي يسهم في جهود توازن الاسواق، موضحاً ان "اوبك بلس" ستجتمع في بداية مارس المقبل للتأكد من تطورات السوق ونجاح سياستها في تعميق الخفض بمقدار 500 ألف برميل يوميا، وتعهد السعودية بخفض إضافي مقداره 400 الف برميل يوميا، إلى جانب استمرار تأثر الانتاج في عدد من مناطق الانتاج وعلى الأخص ايران وفنزويلا.

وأكد ان هذه الاجواء تدعم بقاء اسعار نفط خام برنت قوية عند المستويات الحالية وتدور بين 60 - 70 دولارا للبرميل، وهي بلاشك ان تأكدت خلال النصف الاول من 2020 فإنها ستكون افضل خلال النصف الثاني من عام 2020.

دعم الأسعار

ولفت الى أن مخزونات النفط الأميركي الخام انخفضت إلى ‏5.47 ملايين برميل مقابل توقعات فقط 1.72 مليون برميل، وعليه فإن أي سحوبات من المخزون النفطي تسهم في إعطاء دعم للاسعار لأنها تعني توازن الطلب والعرض في اسواق النفط، وجاء في هذا الإطار أيضا تعافي البورصات الأميركية وتراجع قيمة الدولار.

وذكر الشطي أن إحصاءات منصات الحفر رغم عدم أهميتها حاليا كمؤشر في ظل استمرار زيادة الانتاج الصخرى الأميركي فإنها تؤكد فعليا اتجاه انخفاض معدل الزيادة، وهي أمور إيجابية لصالح السوق والأسعار.

قواعد أساسية

من جهته، قال الخبير والاستشاري النفطي

د. عبدالسميع بهبهاني إن الاساس الذي يُعتمد عليه في تقدير اسعار النفط في 2020، ولعله في العشر سنين المقبلة، هو القواعد الاساسية في العرض والطلب، مبيناً أن العامل الأهم خلال الفتره المقبلة هو الطلب العالمي لا العرض لانه متوفر، بل فائض، وفي اعتقاد البعض فإن عراقيل الطلب تغلبت على مشكلة العرض، والتي من أهم أسبابها المتوقعة:

1- الاضطرابات الجيوسياسية المؤثرة على النمو الاقتصادي.

2- الطاقة المتجددة وأثرها في زيادة سيارات النقل الكهربائية وتوليد الطاقة التي يقدر بعض المراقبين أنها ستسلب كميات كبيرة من النفط الأحفوري.

عوامل مؤثرة

وفند بهبهاني العوامل المؤثرة على زيادة العرض في الآتي:

1- العامل الجيوسياسي المؤثر في نقل وتجارة النفط الاحفوري.

2- الإنتاج الأميركي الصخري وعثرات كفاءة الآبار في زيادة الانتاج، وانعكاس ذلك على مساحة البنى التحتية الأميركية في استيعاب الكميات الاضافية من شبكات انابيب وحجم الموانئ وغيرها، مما يؤثر في زيادة الانتاج الأميركي.

3- فعالية قرارات أوبك لتوازن السوق وردات الفعل العالمية.

4- سعة المخزونات التجارية وانعكاسات ذلك على التقلبات النفطية، حيث ان تطورها سيؤدي الى تباطؤ التقلبات السعرية للبرميل.

الوقود الأحفوري

وأضاف بهبهاني ان التحدي القادم على الوقود الاحفوري هو قوة الطلب المتأثرة بعاملين اساسيين هما الاضطرابات الجيوسياسية، وفي مقدمتها الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة (التي ستستمر الى نهاية 2020)، والحرب التجارية الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا على مد انبوب الغاز الروسي الى اوروبا (نورد 2) والعقوبات الأميركية الجديدة عليها.

ولفت إلى أن العامل الآخر هو تحديات البيئة والطاقة المتجددة التي يتوقع الكثير أنها ستؤدي إلى سحب 20 في المئة من الطلب على النفط، ليصل إلى ذروته في 2020، مع استمرار ذلك الى 2030 قبل أن ينخفض الطلب على النفط ويتلاشى! وهذا بسبب استبدال العالم بالطاقة المتجددة للوقود الأحفوري.

خفض حقيقي

ونوه إلى أن قرار "أوبك بلس" الأخير بزيادة خفض الإنتاج 500 الف برميل (بالإضافة إلى تطوع الخفض السعودي 400 ألف برميل يوميا)، معتبرا أن ذلك قرار له انعكاسات على مستقبل إنتاج أوبك (28.7 مليون برميل يوميا)، ومن ثم أسعار النفط العالمية.

ورأى أن معدل خفض الإنتاج لن يعيد المخزون العالمي إلى معدل 5 سنوات مع نهاية 2020، مبيناً أن من العوامل المؤثرة في أسعار النفط للعام 2020، الإنتاج الأميركي وتأثره بمؤشرات انخفاض عدد منصات الحفر في 2019 (حيث وصل الى انخفاض 280 منصة عن مثيلتها في السنه الماضية)، وشكوك البنوك الممولة للاستكشاف من اداء الحوض البرمي للنفط الصخري، كما يمكن إضافة مؤشر عزم الادارة الأميركية على فتح باب الاستكشاف في محمية ألاسكا بمقدار 30 في المئة، وتطوير ميناء هيوستن لرسو الناقلات العملاقة.

وأوضح بهبهاني أن هذه العوامل تدل على قلق انخفاض الانتاج الأميركي ؛ لافتا الى أن هذه المشاكل تعد عابرة ؛ لأن هناك سعياً فنياً واستراتيجياً في تجاوز ذلك ؛ متوقعا انخفاض الانتاج الأميركي الصخري (اقل من سبعة ملايين برميل في اليوم) قبل ان يقفز مرة اخرى.

وبيَّن أن من جملة العوامل المؤثرة في الأسعار خلال العام الجديد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والاحداث في هونغ كونغ والموقف الأميركي إزاءها الذي اضاف تعقيدا؛ معربا عن اعتقاده بعدم حدوث انفراجة قبل انتخابات الولايات المتحدة في 2020، وأن ذلك قد لا يؤثر كثيرا على طلب النفط كون هناك مؤشرات تدفع بعكس ذلك.

تلاعب بالأسعار

من جانبه، توقع الخبير النفطي كامل الحرمي انه مع الظروف الحالية الظاهرة في الاسواق النفطية وفي الاقتصاد العالمي، فإن اسعار النفط للعام 2020 ستتراوح حول 65 دولارا للبرميل ما لم تحدث عوامل من شأنها التلاعب بأسعار النفط، مثل التوترات السياسية، أو حدوث نقص في مخزونات النفط الاستراتيجية.

وذكر الحرمي أن اتفاق "أوبك بلس" على خفض الانتاج من شأنه تثبيت اسعار النفط الحالية فترة أطول، وهذا يعد الهدف المرجو للدول الاعضاء في منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط "أوبك" وحلفائها، لافتاً الى ان هذا الاتفاق جاء متزامنا مع ارتفاع الانتاج الأميركي.

وأشار الى ان الحرب التجارية بين الصين وأميركا تلعب دورا كبيرا في تحديد معدلات اسعار النفط، مضيفاً أن اتفاق "اوبك بلس" سيكون هو المثبت والعامل الرئيسي لاستقرار اسعار النفط في الفترة المقبلة.

المخزونات

أما الخبير النفطي أحمد كرم فقال إنه مع الظروف الحالية والواضحة في الاسواق النفطية أو في الاقتصاد العالمي، فإن اسعار النفط للعام المقبل ستدور في فلك 65 دولارا، هذا ما لم يحدث تلاعب بشأن الاسعار كالتوترات السياسية على سبيل المثال، او نقص مخزونات النفط الاستراتيجية.

وأضاف كرم أن اتفاق "أوبك بلس" على تعميق خفض الانتاج ليكون اجمالي الخفض 1.7 مليون برميل يوميا من شأنه العمل على تثبيت اسعار النفط فتره اطول، وهذا هو الهدف المرغوب للدول الاعضاء مع ارتفاع الانتاج الأميركي، مشيراً إلى ان الحرب التجارية بين الصين وأميركا قد يكون لها دور كبير على معدلات اسعار النفط.