في معرض إعلانه عن توجّه جنوده بالفعل إلى ليبيا تدريجياً، كشف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ليل الأحد - الاثنين عن إقامة مركز عمليات في العاصمة طرابلس بقيادة جنرال برتبة فريق، مؤكدا أنه «سيكون لديه فرق أخرى مختلفة كقوة مقاتلة، أفرادها ليسوا جنوداً أتراكاً».وأوضح إردوغان في مقابلة تلفزيونية، أن تركيا لن تُشرِك جنودها في المعارك، وضباطها سيُكلّفون التنسيق في إطار «القوة القتاليّة»، وسيزوّدونها بتجاربهم ومعلوماتهم، دعماً لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج في مواجهة قوات «الجيش الوطني» بقيادة خليفة حفتر المدعوم من مصر، مشددا على أن هدف الوجود في ليبيا ليس القتال، وإنما الحيلولة دون وقوع مآس إنسانية وتقويض الاستقرار في المنطقة.
ولاحقاً، تعهّد إردوغان بعدم الوقوف مكتوف اليدين إزاء المتغيرات في المنطقة وتنافس القوى الإقليمية والعالمية فيها، مبينا أن «التحالفات الإقليمية القائمة ضده في شرق المتوسط تستحوذ على أهمية كبيرة في مستقبل تركيا القريب».وأكدت قناة «العربية» وصول عناصر من الاستخبارات التركية إلى طرابلس برفقة مقاتلين من جنسيات مختلفة قادمين من سورية للانتشار على الجبهات، موضحة أن أنقرة سلّمت قوات السراج أجهزة رؤية ليلية وكشف ألغام ومفرقعات، في إطار اتفاق سرّي يشمل التكفل بتعويض ضحايا المعارك المحتملة.ووفق المرصد السوري، فإن عدد المرتزقة السوريين الذين وصلوا إلى طرابلس ارتفع إلى نحو 1000 مقاتل، في حين أن عدد المجندين بالمعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 1700 مجند، منبها إلى استمرار عمليات التجنيد بشكل كبير شمال سورية.
اتفاق وتنقيب
وفي لقائه التلفزيوني، أشار الرئيس التركي إلى أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا بدأ العمل عليها منذ أن كان رئيساً للوزراء (2002 - 2014)، وأنه اتخذ خطواتها على نحو أشمل في فترة حكم معمر القذافي، لكنّ مقتله لم يسمح بالتوقيع عليها وتفعيلها، مشدداً على أنها انطلقت من القانون الدولي، والجهات الفاعلة لا تستطيع التشكيك فيها لأنها سليمة من الناحية القانونية، وأنه أبلغ رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس على هامش قمة حلف شمال الأطلسي بذلك.وشدد إردوغان على أن تركيا تمتلك أطول شريط ساحلي على «المتوسط» والاتفاق المبرم مع السراج أفشل خطط اليونان وإدارة قبرص الرومية الرامية إلى حبسها في منطقة ضيقة جداً، مؤكداً أن «حفتر يوجد في ليبيا حاليا بصفة انقلابي، وأنّ على الأطراف المعنيّة بالمتوسط وليبيا، قبول هذه الحقيقة».وكشف إردوغان عن وجود 4 سفن في البحر المتوسط تمارس أنشطة التنقيب والحفر عن النفط والغاز، ويبحث إرسال سفينة خامسة، مشيرا إلى احتمال التعاون مع شركات عالمية في أعمال التنقيب عن النفط والغاز فيه.حظر وتدهور
وقبل استقباله نظيره الروسي فلاديمير بوتين غدا للبحث بالتفصيل في جميع القضايا الإقليمية، ومنها وقف إطلاق النار في إدلب، بحث إردوغان مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ملفّي ليبيا وسورية، في إطار التحضيرات لعقد اجتماع قمة للأطراف المعنية بالشأن الليبي في برلين.وفي حين تجري مشاورات وتحركات دولية واسعة النطاق لتنفيذ مقترح إيطاليا فرض حظر طيران فوق عدد من المدن الليبية، وتحديداً طرابلس، وذلك لمنع استخدام الطيران في نقل أسلحة أو التحليق فوق أراضيها، حذّرت السفارة الأميركية في طرابلس من «أن التدهور الأمني يؤكد مخاطر التدخل الأجنبي السام في ليبيا، مثل وصول المقاتلين السوريين الذين تدعمهم تركيا، وكذلك نشر المرتزقة الروس»، مطالبة الأطراف الليبية بإنهاء هذه المشاركة الخطيرة للقوات الأجنبية، «والتي تساهم في وقوع إصابات بين المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية».الكلية العسكرية
وإذ أعلنت استعدادها لدعم جميع الجهود لإنهاء العنف، والحد من تدخّل القوات الأجنبية، وإعادة إقامة حوار سياسي تسيّره الأمم المتحدة، دانت السفارة الأميركية الهجوم على الكلية العسكرية بمنطقة الهضبة الخضراء في طرابلس، وقتل 30 طالباً، محملة قوات حفتر المسؤولية عنه.وفي وقت نفى المتحدث باسم «الجيش الوطني» أحمد المسماري المسؤولية عن المجزرة، دان أمين الجامعة العربية أحمد أبوالغيط بشدة استهداف الكلية العسكرية بطرابلس، مشددا على أن استهداف المناطق السكنية والمرافق المدنية والطبية والبنى التحتية يعد أمراً مرفوضاً ومدانا تحت أي ظرف ومن أي جانب كان.أوروبا والجزائر
ووسط ترقّب لإثارة قضية تصاعد النزاع بين السراج وحفتر في جلسة لمجلس الأمن يوم الاثنين بناء على طلب روسيا، أبلغ وزير خارجية حكومة الوفاق، محمد سيالة، نظراءه في بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا بتأجيل زيارتهم المقررة اليوم لطرابلس للتباحث مع السراج حول الأزمة والتصعيد المتمثل في طلبه الاستعانة بالقوات التركية في الحرب الجارية مع حفتر.وتزامناً مع وجود وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في الجزائر لبحث عدد من القضايا الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها الأزمة في ليبيا، وصل السراج وقبله سيالة ووزير الداخلية فتحي باشاغا للجزائر لبحث الملف الليبي والتطورات الأمنية بالمنطقة.وأكدت الرئاسة الجزائرية أن الرئيس عبدالمجيد تبون والسراج بحثا السبل الكفيلة بتجاوز الظروف العصيبة، وتبادلا وجهات النظر حول تفاقم الأوضاع في ليبيا، موضحة أن اللقاء يأتي «في إطار المشاورات الدائمة والمتواصلة مع الإخوة الليبيين».وقبل استقباله السراج، بحث تبون سبل إحلال السلام في ليبيا مع ميركل، وتلقّى دعوتها لزيارة ألمانيا وحضور مؤتمر برلين المرتقب.بدوره، حذر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من أنّ «الأحداث الأخيرة تشير إلى أنّ تصعيد العنف حول طرابلس يمكن أن يكون وشيكا، وبات العمل الحقيقي على الحل السياسي للأزمة ملحا أكثر من أي وقت مضى».