نظمت إيران أمس جنازة حاشدة وصفت بالأكبر منذ وفاة المرشد المؤسس روح الله الخميني، لتوديع قائد "فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني، الذي قضى برفقة عدد من قيادات "الحشد الشعبي" في ضربة أميركية ببغداد، وتصاعدت هتافات معادية لواشنطن من الحشود الغاضبة التي تجمعت لتوديع "البطل"، داعية إلى الانتقام، ومؤكدة أن "رسالتنا لأميركا واضحة: سنضربكم".

وواكب مد بشري في العاصمة نعوش سليماني، ونائب رئيس "هيئة الحشد الشعبي" العراقي أبومهدي المهندس، ورفاقهما الذين قضوا في ضربة بطائرة مسيرة "درون" الجمعة.

Ad

وكما حصل أمس الأول في الأهواز بجنود البلاد، وفي مشهد بالشرق، تجمع سكان طهران بأعداد غفيرة لتكريم سليماني، غداة إعلان طهران التراجع عن التزامات جديدة بموجب الاتفاق النووي، وسط تصاعد التوتر مع واشنطن.

وسارت حشود غفيرة من النساء والرجال باكراً صباح أمس، وسط برد قارس على طول طريقي "الثورة" و"الحرية" وجوارهما، رافعين رايات حمراء بلون دماء "الشهداء"، وأعلاماً إيرانية، وأعلاماً لبنانية وعراقية.

وأدى المرشد الأعلى علي خامنئي بصوت يغص من شدة التأثر صلاة الميت أمام نعشي سليماني والمهندس وأربعة إيرانيين آخرين.

وغادر خامنئي والشخصيات الأخرى الحاضرة، وبينها الرئيس حسن روحاني، والقائد الجديد لـ"فيلق القدس" إسماعيل قآني، ورئيس البرلمان علي لاريجاني، وقائد "الحرس الثوري" اللواء حسين سلامي، الموقع قبل أن تحمل النعوش لشق طريق لها عبر الحشود.

وتصاعدت بين الحين والآن هتافات "الموت لأميركا"، و"الموت لإسرائيل"، مختلطة بلحظات خشوع وصمت.

وكان سليماني في نظر الكثيرين بطلا قوميا، حتى العديد من أولئك الذين لا يعتبرون أنفسهم من المؤيدين المخلصين لرجال الدين الذين يحكمون الجمهورية الإسلامية.

طرد وفيتنام

من جهته، تعهد القائد الجديد لـ"فيلق القدس" قآني بالسعي لطرد الولايات المتحدة من المنطقة. وقال قبيل الجنازة: "نتعهد بمواصلة مسيرة الشهيد سليماني بالقوة ذاتها. العزاء الوحيد لنا سيكون طرد أميركا من المنطقة"، مضيفاً أن "الانتقام لشهادة سليماني وعد من الله".

وذهب قائد القوات الجوية في "الحرس"، العميد أمير علي حاجي زادة، إلى أن قتل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لن يكون كافياً للانتقام.

وأضاف حاجي زاده أثناء مراسم التشييع، ان "الثأر لدماء سليماني، هو إزالة وجود أميركا في المنطقة وبالكامل".

وتابع: "الرد على مقتل سليماني ليس بإطلاق أربعة صواريخ أو إسقاط طائرات مسيرة، ولن نرضى حتى بمقتل ترامب".

وحذّر مستشار المرشد للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي أميركا من البقاء في المنطقة، مشدداً على أنها ستواجه "فيتنام أخرى إن لم تغادر".

وقال ولايتي، إن "الأميركيين ارتكبوا حماقة، وعليهم مغادرة المنطقة، والتجارب دللت على هزيمتهم باستمرار في مواجهة خطط إيران وجبهة المقاومة".

وأضاف: "إنه رغم صراخ الرئيس الأميركي الغبي، فإن إيران ستتصرف بطريقة تجعل أميركا تندم، وستواجه فيتنام أخرى إن لم تغادر قواتها المنطقة".

ووصف المناورات المشتركة بين إيران وروسيا والصين بمنزلة منعطف في مواجهة ممارسات أميركا في المنطقة.

ووصف سليماني بأنه كان "محور المقاومة" في أحداث اليمن والعراق وسورية، واعتبر أنه العنصر الرئيسي في التحالف الإيراني الروسي، حيث ارتبط بعلاقات وثيقة مع الرئيس فلاديمير بوتين.

وأعلنت الهيئة الرئاسية لـ"مجلس خبراء القيادة" أن "مقتل سليماني ليس مجرد استشهاد شخصية عسكرية ستنتهي بقتل شخص عسكري من الجهة المقابلة"، ورأت أن الضربة تمثل "إعلان الحرب ضد جبهة المقاومة والأمة الإسلامية".

إصرار وانتقادات

في المقابل، جدد ترامب تهديده بإدراج مواقع ثقافية في قائمة الأهداف المحتمل ضربها إذا أقدمت طهران على مهاجمة منشآت أميركية أو أميركيين للثأر، في إشارة محتملة إلى إمكانية قصف مرقد الخميني، مؤسس الثورة الإيرانية.

وقال الرئيس الأميركي: "يُسمح لهم بقتل مواطنينا. يُسمح لهم بتعذيب وتشويه مواطنينا. يُسمح لهم باستخدام القنابل التي تزرع على الطريق وتفجير مواطنينا ولا يُسمح لنا بلمس مواقعهم الثقافية؟ الأمر لا يسير بهذه الطريقة".

وانتقد إيرانيون، بينهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، تهديدات ترامب بضرب 52 هدفاً من بينها مواقع تكتسب أهمية خاصة جدا في الثقافة الإيرانية، معتبرين أن استهداف مواقع ثقافية يعني ارتكاب "جريمة حرب".

وأوضح ترامب أن المواقع الـ52 تمثل عدد الأميركيين الذين احتجزوا رهائن في السفارة الأميركية في طهران أكثر من سنة أواخر عام 1979.

من ناحيته، حذر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي وصفته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية بأنه "مهندس تصفية سليماني"، من أن بلاده لن تستهدف بعد الآن وكلاء طهران، بل أصحاب القرار في النظام الإيراني، الأمر الذي رأى فيه البعض تهديداً للمرشد الأعلى.

وفي ظل المخاوف من انفجار كبير في المنطقة، عقد حلف شمال الأطلسي "ناتو" اجتماعاً طارئاً لبحث التطورات، بينما ناقش وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، هاتفيا مع رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، خطوات منع التصعيد في سورية، ومنطقة الشرق الأوسط المرتبطة بمقتل سليماني.

وقال مراقبون إن موسكو حريصة على عدم إشعال الجبهات في سورية، وضرورة الا تقوم طهران بالرد هناك من خلال فتح جبهة الجولان ضد إسرائيل أو استهداف الجنود الأميركيين الباقين في سورية لحماية بعض حقول النفط شمال شرق سورية، ما قد يعقد المعركة الحاسمة التي يخوضها الرئيس بشار الأسد لاستعادة كل الأراضي السورية.

وكانت وكالة «رويترز» نقلت، أمس الأول، عن مسؤول أميركي طلب عدم ذكر اسمه أن قوة الصواريخ الإيرانية في حالة تأهب قصوى في كل أنحاء البلاد، مؤكداً أن الجيش الأميركي يتابع عن كثب هذه التحركات، ولمعرفة إن كانت دفاعية أم استعدادا للهجوم.

وفي وقت سابق، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنظيره الأميركي عن "تضامنه الكامل مع حلفائنا" في موجة الهجمات الأخيرة على منشآت أميركية في العراق. كما عبر عن مخاوفه حيال "الأنشطة المزعزعة للاستقرار لفيلق القدس".

وقال ماكرون لترامب إن إيران يجب أن توقف الآن تلك الأنشطة، وأن "تحجم عن أي تصعيد عسكري يمكن أن يزيد عدم الاستقرار في المنطقة".