هناك مطربون وهناك ياس خضر... ذلك الفنان العراقي المخضرم صاحب الحنجرة الذهبية والحضور الطاغي والأداء المتزن والذهن المتقد، يملأ المسرح بصوته الجهوري، يقف مواجها الجمهور بثقة متحديا سنوات عمره التي تجاوزت الـ80، متسلحا بذاكرة حاضرة تستدعي أرشيفاً ثرياً من الأعمال الغنائية المتميزة التي مازال الجمهور يحفظها ويرددها خلفه.

الفنان العراقي المخضرم حل ضيفا على فعالية "موسيقى الاثنين" ضمن أنشطة النصف الثاني من الموسم الثقافي 2019/ 2020 لمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وذلك مساء امس الأول بقاعة الشيخ جابر العلي الموسيقية، وأمام حضور جماهيري كبير توافد على مركز جابر ملبيا نداء الطرب ممنياً النفس بوصلة غنائية استثنائية في حفل بعنوان "ليل البنفسج مع ياس خضر".

Ad

وقبل بدء الحفل الذي كان مقررا له السابعة، بساعة تقريبا، كاد المسرح يمتلئ عن آخره بجمهور من مختلف المراحل العمرية، وكان لافتا حضور شباب في عمر المراهقة يجلسون في انتظار إطلالة ياس على أحر من الجمر، وأمهات بمعية بناتهن، ورجال على مشارف الستين، تركيبة مختلفة من جمهور حركه الشوق.

تحية الجمهور

وما ان دقت الساعة السابعة مساء حتى أطل المايسترو خالد نوري مرحبا بفرقته الموسيقية الشرقية قبل ان يخطو خضر على المسرح بثبات يحيي الجمهور ويبادله محبوه التحية، تحامل على نفسه ووقف لدقائق منحنيا امام عشاق كلماته وألحانه، قبل ان يستأذن الجمهور في الغناء من الوضع جالسا نظرا لمعاناته آلاماً في القدم.

وأعرب خضر عن سعادته بمواجهة الجمهور الكويتي في هذا الصرح، مخاطبا جمهوره: "يشرفني ان أقف امامكم اليوم وأنا في هذا العمر لأواصل العطاء الفني وأتمنى ان ينال برنامج الحفل اليوم رضاكم، لاسيما أننا انتقينا مجموعة من الأغنيات الأصيلة التي قدمتها منذ سنوات، والتي تتميز بثقلها على مستوى الكلمة واللحن".

واستطرد المطرب المخضرم: "سوف نبدأ الأمسية بأغنية ليل البنفسج والتي استغرق تنفيذها في تلك الفترة 6 أشهر مع تواضع الإمكانات التقنية حينها، عندما كان الموسيقي يخطئ كنا نضطر إلى إعادة تسجيل الأغنية كاملة، كنت عندما أدخل إلى الاستديو أجد تلالاً من الأشرطة المستخدمة في التسجيل، عكس ما يحدث الآن في ظل التقنيات الحديثة والمتطورة التي سهلت كل شيء، اليوم بعض المطربين يسجلون الأغنية ويتركون مهمة تعديل النشاز والصوت للكمبيوتر، مع الأسف ذهبت الرائحة القديمة والأصيلة".

ساعة من الطرب

واستهل ياس رحلة الطرب التي امتدت ساعة تقريبا بأغنية "ليل البنفسج" التي تفاعل معها الجمهور بالغناء تارة والتصفيق تارة أخرى، اما الاختيار الثاني للفنان العراقي فكان أغنية "تايبين" ليشدو بها بروح جديدة ويبث في الأنفس السعادة ويستدعي ذكريات زمن مضى ولم يتبق منه سوى كلمات والحان مازالت صامدة في وجه المتغيرات.

وحرص المطرب العراقي على التجاوب مع الجمهور الذي حاصره بقائمة من الأغنيات، فما كان منه إلا ان ردهم برفق ولين، موضحا انه ملتزم بمجموعة من الأغنيات التي اجرى عليها بروفات.

وكان للموال نصيب من حفل ياس، حيث اختار أن يبدأ أغنية "أمر على الأبواب" بموال انتزع الآهات من الحناجر وكنت الأغنية فرصة ليستعرض العازفون مهاراتهم في العزف المنفرد على آلاتهم مثل القانون والعود، وهما جناحا التخت الشرقي اللذان يحلقان به مع المطرب في سماء الإبداع، بينما كان مسك ختام الحفل بموال "ما كل من ذاق الصبابة" ليودع ياس الجمهور على وقع أنغام أغنيته الشهيرة "اعزاز".

أغنية (الهدل)

يذكر ان المطرب العراقي ياس خضر من مواليد مدينة النجف عام 1938، بدأ مشواره الغنائي في الخامسة والعشرين من عمره بأغنية "الهدل" ذات النمط الريفي والتي قدمها على أسطوانة في عام 1963، ليسطع بعدها نجمه على مدى مشوار طويل تجاوز 56 عاما.

وشكلت أغنية "المكير" التي كتبها زامل سعيد فتاح ولحنها كمال السيد منعطفا مهما في مسيرته الفنية بحيث ارتبط اسمه بالأغنية البغدادية الحديثة التي بلغت أوجها في سبعينيات القرن الماضي، وذلك بالتعاون مع كوكبة من الشعراء والملحنين المبدعين، وعلى رأسهم الملحنان محمد جواد أموري وطالب القره غولي، والشعراء مظفر النواب وزامل سعيد فتاح وزهير الدجيلي ونامق أديب.

وشارك ياس خضر في كثير من الحفلات الكبيرة حول العالم بين بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية كما أحيا كثيرا من الحفلات العامة في الكويت، وكان آخرها الحفل الذي أقامه على مسرح دار الآثار الإسلامية عام 2014. وهذه هي المرة الأولى التي يحل فيها ياس خضر ضيفا على مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بمصاحبة الفرقة الموسيقية بقيادة عازف التشيلو طارق كمال.