في وقت يتصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، بعد تصفية واشنطن الجنرال قاسم سليماني في العاصمة العراقية بغداد، يبدو أن الاتحاد الأوروبي ليس له أي دور مؤثر في الملف الإيراني.

والآن ينسحب حكام إيران تدريجياً من الاتفاق النووي الذي كان يعتبر أحد أكبر إنجازات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ويبدو الآن أنه كان عبارة عن مجرد تساهل جديد في مسلسل "السذاجة الأوروبية"، حسبما يشير المحلل السياسي الألماني أندرياس كلوت، الذي شغل سابقاً منصب رئيس تحرير صحيفة هاندلسبلات الألمانية.

Ad

في المقابل، وفي الوقت الذي بدأ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التحرك لإرسال قوات إلى ليبيا، فإنه يعيد ضمناً التذكير بمدى عجز الاتحاد الأوروبي على صعيد السياسة الخارجية.

ويقول كلوت، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إنه في حين أن حقائق الجغرافيا والمصالح تحتم تدخل القوى الأوروبية في الأزمة الليبية، فالواقع يقول إن تركيا وروسيا عازمتان على تقسيم ليبيا إلى مناطق نفوذ، على غرار ما حدث في سورية.

وبدلاً من أن يتخذ الاتحاد موقفاً دبلوماسياً موحداً، تنقسم دوله في دعمها لأطراف الحرب الأهلية في ليبيا بين إيطاليا القوة الاستعمارية السابقة، التي تدعم حكومة فايز السراج المدعومة كذلك من تركيا، وبين فرنسا التي تؤيد المشير خليفة حفتر المدعوم من روسيا. ويحاول الاتحاد الأوروبي الحديث بصوت دبلوماسي واحد، من خلال منصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية، الذي يشغله حالياً الإسباني جوزيب بوريل، وحذر سابقاً من أن الاتحاد قد يتحول من لاعب إلى ساحة للعب الآخرين في عالم تتبنى الولايات المتحدة والصين وروسيا وغيرها سياسة واقعية لا تعرف الهوادة.

لكن لا يوجد في يد بوريل الكثير ليفعله، أكثر من رئاسة اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد التي لا تحقق الكثير، لأن القرارات بشأن السياسة الخارجية لابد أن يتم اتخاذها بالإجماع. ونتيجة لذلك يمكن لأي دولة حتى لو كانت صغيرة استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع صدور أي قرار.

بطبيعة الحال، فإن القوى الدولية الأخرى تستغل هذا الوضع. وعلى سبيل المثال تمول الصين مشروعات ضخمة للبنية التحتية التي ترتبط بدول أعضاء في الاتحاد، مثل البرتغال واليونان والمجر وإيطاليا، كجزء من مبادرة "الحزام والطريق". وهذه الدول الأوروبية عرقلت صدور بعض البيانات ضد الصين.

أحد الحلول الواضحة لهذه المشكلة، هو التخلي عن شرط الإجماع والاعتماد على "الأغلبية المؤهلة"، غير أن معارضي المقترح يشيرون إلى أنه سيمثل تقليصاً جديداً للسيادة الوطنية، وسيعزز موقف التيارات الشعبوية.

رغم ذلك، فهذا ليس حلاً لكل مشكلات الاتحاد على صعيد السياسة الخارجية، لأن الدول الأعضاء تواصل تجاهل أي قرارات أو سياسات يتم إقرارها إذا لم تعجبها، وهي تفعل ذلك طوال الوقت، بحسب كولت.

هذه الممارسات تقوم بها دول تدعي عادة أنها تحترم التحرك الجماعي للاتحاد، مثل ألمانيا، فالمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي وأغلب دول الاتحاد تعارض مشروع خط أنابيب الغاز بين روسيا وألمانيا، المعروف باسم "نورد ستريم 2"، الذي يمر عبر بحر البلطيق، وترى أنه يزيد اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، ويلحق الضرر بدول شرق أوروبا التي يمر عبرها الغاز الروسي حالياً.

لكن ألمانيا، وبسبب ميل الحزب الاشتراكي الديمقراطي المشارك في الائتلاف الحاكم، تضغط من أجل المضي قدماً في المشروع.

هذا الاختلاف الجذري في النظر إلى العالم وتهديداته، هو نصف المشكلة. أما النصف الآخر، فهو إنكار سياسة القوة، فالتوجهات السياسية الدولية تتحول من المثالية إلى الواقعية ومن التحرك المتعدد الأطراف إلى التحرك الأحادي، ومن القوة الناعمة إلى القوة الخشنة. والقوى الجيوسياسية المنافسة للاتحاد الأوروبي مثل الصين والولايات المتحدة تتعامل مع القوة من منظور كمي، يمتد من التجارة إلى العملة والتكنولوجيا والاستثمار والهجرة والطاقة وصولاً إلى حاملات الطائرات والصواريخ، ثم الطائرات المسيرة، كتلك التي استخدمتها أميركا في قتل الجنرال سليماني.

وقال رئيس وزراء هولندا مارك روته إنه "إذا اكتفينا بالوعظ عن المبادئ المجردة وابتعدنا عن ممارسة القوة، فإن قارتنا قد تكون دوماً على صواب، لكن نادراً ما سيكترث بها الآخرون".

وبالفعل، باتت القوى الكبرى تتجاهل الاتحاد الأوروبي في ملفات إيران والعراق والخليج ككل. ففي ظل تصاعد التوتر في المنطقة يدعو الاتحاد الأطراف كافة إلى "ضبط النفس" كما يفعل دائما، لكن قرارات الحرب والسلام تتخذها أطراف أخرى.