تراجعت أسعار النفط، أمس، مع إعادة المستثمرين النظر في احتمالات تعطل إمدادات الشرق الأوسط في أعقاب قتل الولايات المتحدة قائدا عسكريا إيرانيا كبيرا.

وهبط برنت 1.5 بالمئة إلى 67.86 دولارا للبرميل، وسجل 68.14 دولارا، بانخفاض 77 سنتا، عند الساعة 05:50 بتوقيت غرينتش.

Ad

ونزلت العقود الآجلة للخام الأميركي غرب تكساس الوسيط 65 سنتا إلى 62.62 دولارا للبرميل، بعد أن تراجعت في وقت سابق 1.5 بالمئة إلى 62.30 دولارا.

كانت الأسعار قد ارتفعت في الجلستين السابقتين، حيث بلغ برنت أعلى مستوياته منذ سبتمبر، في حين زاد غرب تكساس إلى ذروته منذ أبريل.

جاءت المكاسب عقب مخاوف من تصاعد الصراع واحتمال تعطل معروض الشرق الأوسط بعد ضربة بطائرة مسيرة في الثالث من يناير قتلت القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني. لكن بعض المحللين بدأوا يشككون في فرص اندلاع صراع واسع النطاق.

وقال لاخلان شو، مدير أبحاث السلع الأولية في بنك أستراليا الوطني: «السوق قلقة بوضوح من احتمال تعطّل المعروض، لكن لا يوجد مسار واضح للأمام من هنا.

«الأمر برمته محض تصورات محتملة قد تؤثر على إنتاج النفط أو لا تؤثر، لذا يبدو أن السوق أعادت التقييم في آخر 24 إلى 36 ساعة فيما يتعلق ببعض الاحتمالات».

وأضاف أن إيران ستحتاج إلى إيرادات العملة الصعبة من استمرار صادرات النفط، ولهذا لن يكون من مصلحتها أن تحاول غلق مضيق هرمز. ويمر نحو 20 بالمئة من نفط العالم بالمضيق الذي تطل إيران عليه.

ورجحت مجموعة أوراسيا أن تركز إيران على الأهداف العسكرية الأميركية، لا أهداف الطاقة.

وتابعت: «لا يعني هذا أنها لن تواصل التحرش منخفض المستوى بحركة الشحن التجاري أو البنية التحتية الإقليمية للطاقة، لكن هذه الأنشطة لن تكون شديدة».

وكان مسح أجرته «رويترز» قد أظهر أن إنتاج «أوبك» من النفط تراجع في ديسمبر في ظل مزيد من الالتزام من جانب نيجيريا والعراق بالتخفيضات التي جرى التعهد بها وزيادة التخفيضات من جانب السعودية، أكبر المصدرين، قبيل اتفاق جديد للحد من الإنتاج.

وفي المتوسط، ضخت منظمة البلدان المصدرة للبترول التي تضم في عضويتها 14 دولة 29.50 مليون برميل يوميا الشهر الماضي، وفق المسح.

ويقل ذلك بمقدار 50 ألف برميل يوميا عن القراءة المعدلة لشهر نوفمبر.

وزادت أسعار النفط إلى أكثر من 70 دولارا للبرميل في العام الجديد، لتضيف إلى مكاسب بلغت 23 بالمئة في 2019، مدعومة بالتخفيضات الحالية التي تقودها «أوبك»، وتنامي توترات الشرق الأوسط بعد مقتل قائد إيراني كبير. وزاد هذا القلق حيال صراع من شأنه خفض الإمدادات بشكل أكبر.

وفي هذا السياق، قال ستيفن برينوك من «بي. في. إم» للسمسرة في النفط: «بالنظر للمستقبل، ستظل المخاطر الجيوسياسية في المقدمة وبالقلب من مخاوف المستثمرين.

«بدأت لعبة انتظار مشوبة بالتوتر لمعرفة إذا كانت التبعات ستؤدي إلى تعطيل في إمدادات النفط من المنطقة».

وكانت «أوبك» وروسيا وحلفاء آخرون يشكلون ما يعرف باسم «أوبك+»، قد اتفقوا على خفض الإمدادات بواقع 1.2 مليون برميل يوميا في 2019. وبلغت حصة «أوبك» في الخفض حوالي 800 ألف برميل يوميا يلتزم بها 11 عضوا، مع استثناء إيران وليبيا وفنزويلا.

وخلال اجتماعات في ديسمبر، اتفقت «أوبك+» على خفض إضافي بواقع 500 ألف برميل يوميا اعتبارا من أول يناير 2020.

وتجاوز أعضاء «أوبك» الملزمون بالاتفاق والبالغ عددهم 11 التخفيضات التي جرى التعهد بها بسهولة، ويعود جزء كبير من الفضل في ذلك إلى تخفيضات من السعودية وحلفائها في الخليج بأكثر من المطلوب لدعم الأسواق.

ويشير مسح ديسمبر إلى أن نيجيريا والعراق، وكلاهما تباطأ في الالتزام بالتخفيضات في 2019، حققا مزيدا من التقدم. ووجد المسح إلى أن الامتثال زاد إلى 158 في المئة في ديسمبر من 153 بالمئة في نوفمبر.

يتذكر «ميتش كان» كيف قفزت أسعار النفط الخام في الولايات المتحدة، خلال ليلة واحدة، عندما بدأ القتال في حرب العراق الثانية، 10 دولارات للبرميل.

وكان هذا يعني احتمال تربح التاجر الذي اشترى كمية صغيرة منه 50 ألف دولار، أو خسارة مماثلة إذا كان التاجر قد قرر البيع.

وكان ميتش يعمل تاجرا مستقلا في بورصة نيويورك ميركانتيل، بمنطقة مانهاتن، حيث يباع ويشترى النفط الخام، والغاز، وزيوت التدفئة، في الطابق الأسفل من المبنى، بينما يتعامل التجار في الطابق الأعلى مع المعادن الثمينة.

وبعدما غزت القوات الأميركية العراق، وتحديدا في عام 2004، كانت أسعار النفط تحدد بصيحات عالية لرجال، في معظمهم، يقفون في دائرة مفتوحة، بعضهم يشتري وبعضهم يبيع، وتستقر الأسعار عند رقم معيّن، بحسب ما يقدمه المشترون والبائعون من عروض.

ويلجأ عدد من التجار، بسبب ارتفاع الأصوات، إلى وضع سدادات على آذانهم، بحسب ما يقول ميتش. أما هو فقد كان ارتفاع مستوى الأدرينالين لديه كافيا للحفاظ على وضوح سمعه.

وتستمر التعاملات اليوم على مدى 24 ساعة، لكنها في 2004 كانت تنتهي بإغلاق السوق عندما يرن الجرس عند الساعة 14:30 بعد الظهر.

وفي ذلك اليوم في 2004، بدأ تاجر كان يقف بجانب ميتش، عند فتح السوق، في الصياح بصوت عال.

ويتذكر كيف أن التاجر كان يحاول بيع بعض النفط، لكن فجأة «انهارت السوق».

فخلال دقائق أصبح سعر البرميل أرخص بـ20 دولارا. ولا يحتمل أن يحدث شيء مثل هذا اليوم. ويقول ميتش: «الأسواق تتحرك الآن بطريقة مختلفة».

ويشير ميتش إلى أنه بالرغم من زيادة أسعار النفط يوم الجمعة، فإن كل شيء يتعلق بالأسواق مختلف تماما عما كان عليه وقت اندلاع الحرب في العراق، إذ إن أماكن الإنتاج اليوم، والطريقة التي يصفّى بها النفط، ويتاجر فيه، لا تحمل أي شبه لما كان ميتش يراه، عندما كان الأدرينالين يساعده على قضاء يومه وسط الصياح وتحركات الأسعار.

القواعد تغيرت

بلغت زيادة سعر برميل نفط برنت الخام الجمعة أكثر من 4 في المئة، إذ وصل إلى 69.50 دولارا للبرميل.

وتأرجحت أسعار النفط بعد إعلان نبأ اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في غارة بطائرة أميركية من دون طيار على مطار بغداد، وصفتها وزارة الدفاع بأنها «عمل دفاعي».

كما ارتفعت أسعار شركة النفط البريطانية (بي بي)، وشركة شل الهولندية حوالي 1.5 في المئة.

والعامل الأكبر الذي مازال يغيّر الأسعار منذ عام 2004 وحتى الآن، بحسب ما يقوله مايكل ويدمير، استراتيجي السلع في بنك أوف أميركا، هو احتفاظ الولايات المتحدة بقدر من النفط يجعلها مستقلة، وليست في حاجة إلى الاستيراد.

ولم تعد الولايات المتحدة معتمدة على النفط الخام من الشرق الأوسط.

ويقول ويدمير: «لقدت تغيّرت القواعد ماديا».

وفي هجمات الطائرات من دون طيارين على مواقع النفط بالسعودية في سبتمبر مثال جيد على ذلك.

ويقول ويدمير: «كانت تلك أكبر ضربة لأسواق النفط العالمية، من حيث الإمداد، لكن لم يكن لها تأثير طويل الأمد».

ففي ذلك اليوم ارتفعت الأسعار في الأسواق بما يقارب 10 دولارات للبرميل، لكن لم يحدث شيء كبير في ما بعد.

وفي الوقت الذي زاد التوتر على الساحة السياسية، وتبادل الخطابات الحماسية بين إيران والولايات المتحدة، وعزم واشنطن على فرض عقوبات جديدة، هبطت أسعار النفط إلى ما هو أقل من 60 دولارا للبرميل بعد أسبوعين فقط.

ويتجاوز الخطاب السياسي المحتدم امتد لفترة أطول من أي مخاوف من اضطراب الأسعار.

ويرجع ذلك إلى أن بلدانا أخرى، خاصة روسيا والولايات المتحدة، تضخ نفطا الآن.

ويقول ويدمير: «عندما تقلص أوبك إنتاجها الآن، فإنها تتيح المجال لدول أخرى بزيادة إنتاجها».

ويرى ألن غيلدر، نائب رئيس أسواق النفط والكيمياويات في شركة وود ماكينزي، أن أحد السبل للنظر إلى هذا الوضع هو أن «أوبك» كانت تنتج نصف النفط في العالم، لكنّها الآن لم تعد تنتج سوى أقل من ثلث الإنتاج العالمي.

وخلال حرب الخليج، التي بدأت في 1990، كان النفط يأتي من مكانين: إما من دول أوبك، أو من أماكن أخرى تعد باهظة وخطيرة، مثل بحر الشمال.

وكان العثور على النفط واستخراجه من قاع المحيط، خاصة قبل 40 عاما، أمرا خطيرا ولا يمكن التنبؤ به.

أما الآن، وبعد استخدام عمليات الحفر المصحوب بضغط عال من المياه لإخراج النفط، في أميركا الشمالية، فقد أصبحت هناك وفرة منه.

ويقول غيلدر: «كانت الأسواق في الماضي حديثة التأسيس، وكان عدد المشاركين في السوق أكبر بكثير مما هو عليه الآن، كما أن كمية المعلومات المتاحة اليوم، كما أكبر مما كانت عليه قبل خمس سنوات».

وعندما هوجمت مواقع النفط بالسعودية في سبتمبر، أظهرت الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية للسفن المغادرة للميناء، وللمكان نفسه، أن الإنتاج والتصدير استؤنفا مرة أخرى بسرعة.

ويضيف غيلدر: «قبل سنوات، كان الناس يصابون بالهلع ويحاولون معرفة ما يجري».

أما الآن فإن منظمة أوبك، وشركات الإنتاج الأخرى، في بلدان مثل روسيا، اتفقت على الحد من إنتاج كميات كبيرة من النفط قدر الاستطاعة.

ويؤدي هذا إلى صعوبة التنبؤ بما سيحدث لأسعار النفط عند زيادة التوتر في منطقة الشرق الأوسط.

ويتوقع محللون في سيتي بنك أن تظل الأسعار على المدى القصير مرتفعة خشية من الانتقام الإيراني.

هارولد هام يتوقع ارتفاع «نايمكس» 19% خلال 6 أشهر

قال الملياردير هارولد هام، المتخصص في صناعة النفط، إن أسعار النفط تتجه صوب 75 دولارا للبرميل، دون النظر إلى تداعيات أو انعكاسات التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط.

وأضاف هام، في حوار لـ«سي إن بي سي»، «أظن أن سعر الخام الأميركي سيرتفع على الأرجح إلى 75 دولارا للبرميل خلال الستة أشهر المقبلة»، مبينا أن سوق النفط سيشهد تراجعا في المعروض والإمدادات بغض النظر عما يحدث في الشرق الأوسط.

وأعرب مؤسس «كونتننتال ريسورسيز» عن عدم قلقه على الإطلاق بشأن ما يجري بين الولايات المتحدة وإيران فيما يتعلق بالتهديدات المتبادلة مؤخراً.

وعند إطلاق هام تصريحاته، كان متوسط سعر «نايمكس» أمس الأول عند 62.97 دولارا للبرميل، وبالتالي فإن التوقعات بارتفاعه صوب 75 دولارا تعني مكاسب بنسبة 19.1%.

واردات قياسية للصين من الغاز المسال

أظهرت بيانات تتبع السفن من «رفينيتيف أيكون»، أمس، أن الصين استوردت كميات قياسية من الغاز الطبيعي المسال في ديسمبر، متقدمة على اليابان كأكبر مستورد للوقود للشهر الثاني على التوالي.

وبحسب الأرقام، استوردت الصين 7.198 ملايين طن من الغاز المسال في ديسمبر، بزيادة حوالي 16 في المئة عن واردات نوفمبر، بينما بلغت واردات اليابان 6.574 ملايين طن في ديسمبر ، بزيادة نحو 7 في المئة عن الشهر السابق.

وتفوقت الصين على اليابان من حيث أحجام واردات الغاز المسال للمرة الأولى في نوفمبر، وواصلت تقدمها الشهر الماضي.

ولم يصدر البلدان البيانات الشهرية الرسمية بعد وثمة تذبذب في بيانات الشحن البحري. وكان المحللون في «وود ماكينزي» قالوا إن اليابان تحافظ على تقدمها كأكبر مستورد للغاز المسال من حيث الأحجام السنوية، لكن توقعوا أن تتخلى عن الصدارة للصين في 2022.

أسطول ناقلات نحو الولايات المتحدة

أفادت مصادر في الشحن البحري وبيانات من «ريفينتيف إيكون» بأن أسطولا من ناقلات النفط تبحر خاوية من أوروبا والبحر المتوسط باتجاه ساحل الخليج الأميركي، للاستفادة من قفزة في أسعار الشحن.

وأضافت المصادر أن 8 ناقلات، وهو عدد مرتفع على نحو غير عادي، تبحر في المحيط الأطلسي صوب الولايات المتحدة، وتبلغ طاقتها الاستيعابية مجتمعة 5.6 ملايين برميل من النفط.

وسجلت صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام مستوى قياسيا مرتفعا عند 4.46 ملايين برميل يوميا في الأسبوع المنتهي في 27 ديسمبر، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، مع استمرار منتجي النفط الصخري في تسليم كميات من الخام تزيد عما يمكن أن تستهلكه مصافي التكرير الأميركية.