شنت إيران فجر أمس هجوماً صاروخياً على قاعدتين يتمركز فيهما جنود أميركيون في العراق، متجنبة عن قصد إيقاع ضحايا من الأميركيين، وهو الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتسبب اجتيازه الأربعاء قبل الماضي، في موجة التوتر الحالية، إثر قَتْل متعاقد أميركي في هجوم صاروخي بالعراق، ألقي باللائمة فيه على فصيل عراقي متحالف مع طهران.

ورغم التهديدات والتحذيرات التي وجهتها واشنطن من الرد على تصفية قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني الذي قُتِل بغارة أميركية فجر الجمعة الماضي قرب مطار بغداد، أقدم الحرس الثوري على إطلاق أكثر من 20 صاروخاً بالستياً باتجاه قاعدة «عين الأسد» في محافظة الأنبار غرب العراق، وقاعدة «حرير» مقر التحالف الدولي في أربيل، حيث يوجد بضعة آلاف من الجنود الأميركيين.

Ad

ورجحت مصادر حكومية أميركية وأوروبية، مطلعة على تقديرات المخابرات، أن إيران سعت عمداً إلى تجنب وقوع أي خسائر للحيلولة دون خروج الأزمة عن نطاق السيطرة، مع توجيه رسالة عن قوة عزمها، في حين صرح مسؤول عسكري أميركي لشبكة «سي إن إن»، بأن الجيش الأميركي تلقى إنذاراً بشأن الضربة كان «مبكراً وكافياً»، حتى يتمكن الجنود من الوصول إلى الغرف المحصنة في القاعدة.

وسقطت بعض الصواريخ على بعد 30 كيلومترات من «عين الأسد»، بينما تحدث خبراء عراقيون عن أن الصواريخ التي سقطت في أربيل كانت خالية من الرؤوس المتفجرة.

وفي خطوة ألمحت إلى وجود تنسيق حول الضربة، قال المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي إن الأخير «تلقى رسالة شفوية رسمية من طهران بأن الرد الإيراني على اغتيال سليماني قد بدأ، أو سيبدأ بعد قليل، وأن الضربة ستقتصر على أماكن وجود الجيش الأميركي في العراق».

وأوضح المتحدث أن الجانب الأميركي «اتصل بنا في الوقت نفسه، وكانت الصواريخ تتساقط على الجناح الخاص بالقوات الأميركية في قاعدتَي عين الأسد بالأنبار وحرير في أربيل».

وبعد الهجوم، أبقت طهران على الغموض، وقال وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إن الرد اكتمل، وإن بلاده لا تريد التصعيد ولا الحرب.

في المقابل، ذكر المرشد الأعلى علي خامنئي أن الضربة غير كافية، معتبراً أن الانتقام يكون بإخراج القوات الأميركية كاملة من المنطقة، في وقت هدد الحرس الثوري بقصف مدينة حيفا في إسرائيل ومدينة دبي في الإمارات إذا ردت واشنطن على الضربة، وشدد الرئيس حسن روحاني على أن الرد إثبات على أن «إيران لا تتقهقر» أمام واشنطن.

وفي العراق، استنكرت رئاستا الجمهورية والبرلمان «انتهاك السيادة العراقية»، وتحويل البلاد إلى «ساحة حرب»، في وقت انتقدت قوى سياسية «صمت الحكومة»، واستدعت وزارة الخارجية العراقية السفير الإيراني للاحتجاج رسمياً.

وفي ظل مخاوف دولية وإقليمية من اندلاع حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، توعدت الفصائل العراقية الموالية لإيران بالثأر لنائب رئيس «الحشد الشعبي» أبومهدي المهندس من القوات الأميركية، بضربة لا تقل عن مستوى الرد الإيراني.

وقال رجل الدين المتشدد قيس الخزعلي، قائد فصيل «عصائب أهل الحق»، إن «الرد الإيراني الأوّلي على اغتيال سليماني حصل، الآن وقت الرد العراقي»، في حين توعدت «حركة النجباء» بقيادة أكرم الكعبي بالثأر «بأيدٍ عراقية»، ومواصلة القتال ضد القوات الأميركية. وكانت الفصائل الموالية لإيران في العراق أعلنت أنها شكّلت جبهة مشتركة للتنسيق مع إيران وحزب الله اللبناني لتوجيه رد مدروس ضد الأميركيين.

إلى ذلك، أعلنت عدة شركات طيران كبرى، أمس، تحويل مسار رحلاتها لتجنب المرور عبر المجال الجوي للعراق وإيران، بعدما حظرت إدارة الطيران الاتحادية الأميركية تحليق شركات الطيران المدني الأميركية في المنطقة.

وفي كلمة وجهها إلى الشعب الأميركي بعد اجتماعات مع فريقه الأمني، استبعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرد على إيران، معتبراً أن «القوة الاقتصادية لأميركا هي أفضل رادع».

وشدد ترامب على أنه لم يُصَب أي أميركي في الهجوم الإيراني، مؤكداً أنه سيواصل سياسة فرض العقوبات على طهران حتى تغيّر سلوكها.

وقال إن سليماني يداه ملطختان بالدماء، وإنه تم التخلص من أكبر إرهابي في العالم، في وقت أشار إلى أن بلاده لا تحتاج لنفط وغاز الشرق الأوسط.

وإذ جدد التأكيد أنه لن يسمح أبداً بامتلاك طهران سلاحاً نووياً، حذر ترامب من أنه قد يضرب «بالصواريخ الكبيرة والسريعة والدقيقة والمميتة»، لكنه رأى أن إيران «تخفف من حدة موقفها على ما يبدو».

وكان ترامب علق على الهجوم عبر «تويتر» بعد قليل من وقوعه، معلناً أنه «يجري تقييم الخسائر والأضرار الناجمة عن الضربات الصاروخية الإيرانية على منشأتين عسكريتين في العراق».

وأضاف: «كل شيء على ما يرام! لقد أطلقت صواريخ من إيران على قاعدتين عسكريتين بالعراق... تقييم الخسائر والأضرار جارٍ الآن. حتى الآن كل شيء على ما يرام. لدينا الجيش الأكثر قوة والأفضل تجهيزاً في العالم، وبفارق شاسع».