أدى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في لبنان والتي بلغت حدتها مع تراجع السيولة النقدية في الأسواق واتخاذ المصارف تدابير مالية قاسية حددت سقوفا للسحوبات الى اقفال عشرات المؤسسات وفقدان الاف الموظفين عملهم.

ودفع تراجع السيولة ولاسيما حجم الدولار الأمريكي الى اتخاذ المصارف إجراءات قيدت السحوبات المالية ما وضع مؤسسات القطاع الخاص تحديدا امام تحدي الاستمرار في ظل فقدانها فرص الاقتراض من المصارف من جهة وعجزها عن تأمين الدولار لانجاز معاملاتها التجارية مع الخارج من جهة أخرى.

Ad

ورفعت الهيئات الاقتصادية صوتها في وجه الدولة معلنة رفضها المطلق لزيادة الاعباء الضريبية على المؤسسات مطالبة بإلغاء الضرائب الجائرة لان القطاع الخاص الذي يمثل ثلاثة ارباع المجتمع اللبناني هو الآن ينهار مثل حجارة الدومينو كما ان الاقتصاد الحقيقي والقطاعات الانتاجية تحتضر في حين لا يوجد مبادرات جدية في الأفق.

وقالت في بيان لها أصدرته منذ شهرين ان القطاع الخاص سلف الدولة والاقتصاد الكثير من خلال الزيادات الضريبية الهائلة التي فرضت عليه منذ العام 2017.

واعتبرت "ان العلاج الحقيقي يكمن في إعادة هيكلة القطاع العام وخفض نفقاته بالإضافة الى وقف التهريب الى لبنان وانهاء الاقتصاد غير الشرعي ومعالجة ملف الكهرباء ومكافحة الفساد.

وادى فقدان السيولة وتوقف الإنتاج وعجز المؤسسات التجارية والصناعية عن استعمال حساباتها الجارية في المصارف الى تهديد العديد منها بما اطلقوا عليه "العصيان الضريبي أي التوقف عن دفع الضرائب للدولة حتى الاستجابة لمطالب القطاع الخاص.

وطالبت هذه المؤسسات الدولة تجميد الضرائب ووقف الغرامات على المتأخرات وإجبار المصارف على تخفيض الفوائد وعدم ملاحقة المتأخرين عن دفع أقساط ديونهم.

وفي هذا الصدد قال الوزير السابق ورئيس جمعية الصناعيين السابق فادي عبود لوكالة الانباء الكويتية «كونا» اليوم الخميس انه "اذا استمرت الأوضاع في المنحى الذي تسير به فإن النصف الأول من العام الجاري سيؤدي الى خسارة 50 الف فرصة عمل في القطاع الصناعي ما يرفع من معدلات البطالة.

ولفت الى ان الصناعيين عاجزين عن استيراد المواد الخام لحاجتهم الى الدولار ما يدفعهم الى الحصول على الدولار من الصرافين وتحمل فارق السعر الكبير بين السعر الرسمي لصرف الدولار «1507 ليرة مقابل الدولار الواحد» وسعر الصرف المتداول في سوق الصيرفة «يتخطى أحيانا كثيرة 2000 ليرة مقابل الدولار».

وراى عبود ان العصيان الضريبي من الناحية النظرية مفيد لكنه في الواقع يقود الى انهيار القطاع الخاص بسرعة معتبرا ان الحل يكمن في تشكيل حكومة من خبراء واختصاصين يمتلكون تجاربا عملية على ارض الواقع تساعدهم تجاربهم في وضع الحلول.

وانتقد السياسة الاقتصادية التي دأب عليها لبنان التي اولت المصارف كل الاهتمام لكونها الممول لعجز المالية العامة.

من جهته قال الخبير المالي الدكتور موفق اليافي في تصريح ل«كونا» ان "القسم الأكبر من الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص باستثناء المصارف اجرت إعادة هيكلة وتقوم بدفع قسم من الرواتب مع منح الموظفين اجازات قسرية.

وشدد على أهمية وجود إدارة للبلد تعي حجم المخاطر وجديتها لافتا الى حاجة الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص الملحة والسريعة للسيولة التي كانت تؤمن من خلال المصارف وهو الامر المفقود حاليا اذ ان السيولة هي التي تحرك عجلة الاقتصاد.

وحذر اليافي "من خطورة انعدام الثقة لدى المواطنين وهو الذي يعيق عملية تحريك عجلة الاقتصاد مجددا.

واعتبر ان العصيان الضريبي امر غير واقعي لان الشركات تحتاج الى التعامل مع الإدارات الرسمية وبالتالي هي ملزمة بدفع ما عليها مشيدا بالخطوة الأخيرة للدولة بتمديد مهل الغرامات.

وكان اجتماع للجنة المال والموازنة في البرلمان اقر في 26 من ديسمبر الماضي "تجميد وتعليق الإجراءات الناجمة عن التعثر في تسديد القروض السكنية حتى نهاية يونيو 2020 او ستة اشهر من تاريخ نشر الموازنة.

وأشارت اللجنة الى ان ما يسري على القروض السكنية يسري أيضا على القروض الصناعية والزراعية والمستحقات الضريبية بأنواعها الواردة في موازنة 2020 في الظروف التي يعيشها لبنان والصرف من الخدمة لأعداد من الموظفين او تخفيض ما يصل الى نصف قيمة الراتب للعديد من بينهم.

وبدوره اكد الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين ل«كونا» ان الاقتصاد اللبناني يعمل بنصف طاقته وان التقديرات تشير الى فقدان حوالي 10 الاف موظف في القطاع الخاص عملهم وتراجع مرتبات نحو 50 الف موظف منهم بنسب متفاوتة مابين 20 و50 بالمئة من المرتب.

ولفت الى احتمال تفاقم الازمة من الشهر الجاري مع تصاعد إمكانية اقفال مدارس وشركات أبوابها بفعل الازمة الاقتصادية.

ولفت الى تراجع القدرة الشرائية بنسبة 30 بالمئة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار امام العملة الوطنية.

ويشهد لبنان منذ 17 من أكتوبر الماضي تظاهرات وحركات احتجاجية بدأت بسبب فرض ضرائب جديدة على مواد أساسية وتطورت الى المطالبة بحكومة جديدة وانتخابات برلمانية مبكرة في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.