عندما أمضيت شهراً في رحلة بحث في الهند خلال ديسمبر من عام 2014– بعد ستة أشهر من وصول ناريندرا مودي الى السلطة هناك– كان تفكير الكتاب والأكاديميين والمثقفين الذين قابلتهم يماثل ما يشعر به الأميركيون اليوم، لم يكن الشعب الهندي المتعلم يحب مودي بسبب استخفافه بالدستور الهندي العلماني ولكن ذلك الشعب كان منقسماً حول تأثير حكم مودي المحتمل على الحريات التي كان المواطن الهندي يتمتع بها.وكان بعض المواطنين يخشى أن يتوجه مودي بسرعة نحو سحق المعارضة، وكان هناك من يخشى أن ينتهي به الأمر الى السجن بسبب انتقاده للحكومة.
يذكر أن مودي في أول خمس سنوات من تسلمه الحكم في الهند ألحق ضرراً كبيراً في نطاق الحريات التي يتمتع بها نقاده إضافة الى أمن الأقليات الدينية في ذلك البلد، وقد نشرت وسائل الاتصال الاجتماعي الرعب في أوساط نقاد حكومة مودي وزرعت الخوف حول خوض المسلمين لما أطلق عليه «جهاد الحب» عن طريق الزواج من نساء هندوسيات، ثم بدأت الصحف التي كانت تنتقد مودي بشدة بالاشادة به، كما تعرض المسلمون لعمليات اعدام غير قانونية من جانب مجموعات غاضبة من الغوغاء.وعلى أي حال، كان الجانب الأكثر سوءاً هو أن حكومة مودي وبعد أن فاز بأكثرية أكبر لاعادة انتخابه في ربيع العام الماضي بدأت باتخاذ اجراءات راديكالية تهدف الى انهاء العلمانية في الدستور الهندي وألحقت بذلك درجة من الضرر خلال الشهور الأولى من فترتها الثانية فاقت ما قامت به طوال الخمس سنوات السابقة.وكان مودي تعهد خلال حملاته الانتخابية بطرح سجل وطني للمواطنين الهنود يسمح للحكومة بطرد المهاجرين غير الشرعيين وقد أثارت هذه الخطة المخاوف في أوساط المهاجرين الهندوس الذين قدموا الى الهند قبل عدة عقود من الزمن بعد طردهم من دول مجاورة مثل بنغلادش، وفي أوساط المسلمين الذين ليست لديهم المستندات الضرورية لإثبات جنسيتهم. وبمجرد أن أعيد انتخابه، اقترح مودي مساعدة الفئات المذكورة عن طريق منحها وسيلة تجنيس سريعة إذا كانت ضمن مجموعات مضطهدة من الأقليات الدينية في موطنها الأصلي، وبكلمات أخرى فإن الهندوس الذين ليس لديهم الحق القانوني للوجود في الهند سوف يتمكنون على الأرجح من البقاء فيها، بينما سوف يواجه الكثير من المسلمين الذين أقاموا في الهند منذ أجيال خطر الابعاد عنها، وبذلك تقترب الهند خطوة اخرى نحو التحول الى دولة هندوسية كما يتمنى مودي.
مقاومة التغيرات الراديكالية
ونتيجة لتلك التصرفات تشكلت خلال الأسابيع القليلة الماضية حركة احتجاج واسعة لمقاومة هذه التغيرات الراديكالية، واحتشد مواطنون من مختلف المعتقدات في الجامعات والمدن في شتى أنحاء البلاد من أجل الدفاع عن دستور الهند العلماني. وكان أن ردت الحكومة بقسوة واضحة وعمدت في البعض من الولايات الى حظر تجمع أكثر من خمسة أشخاص، كما أغلقت خدمات الانترنت في ولايات اخرى، وقد عرضت مقاطع فيديو صوراً لرجال الشرطة وهم يطوقون طلبة يشتبه في مشاركتهم بمسيرات الاحتجاج ضد الحكومة. وكما أبلغني عالم العلوم السياسية البارز براتاب بهانو مهتا فإن رئيس الوزراء مودي ركز خلال فترة رئاسته الأولى على المبادرات الاقتصادية من دون أن ينأي بنفسه عن الوطنية الهندوسية. وقال مهتا: "في فترة الرئاسة الثانية اتخذ مودي موقفاً أشد تصلباً ازاء دعم الأكثرية الهندوسية في قوانين البلاد، وكان الجانب الذي يثير درجة أكبر من القلق هو استخدام أجهزة الدولة من أجل قمع موجة الاحتجاجات التي ازدادت بصورة ملحوظة، وفي ولايات مثل أتار براديش كانت الشرطة تقمع المحتجين بقسوة غير مسبوقة».وقد فوجئ الكثير من مراقبي الوضع في الهند بتوجه مودي نحو مزيد من التطرف خلال فترة رئاسته الثانية ولكن مقارنة مع حكومات شعبوية في أنحاء اخرى من العالم تشير الى أن الهند كانت تتبع أسلوبا يمهد لدكتاتورية يطبقها الطغاة في فترة رئاستهم الثانية.أمثلة من دول أخرى
وكما رأينا في دول اخرى مثل المجر وتركيا وفنزويلا يتسم القادة الشعبويون في البدء بالضعف والحذر ازاء تركيز السلطة في أيديهم، كما أن الكثير من المؤسسات الرئيسية بما في ذلك المحاكم واللجان الانتخابية تستمر في العمل عبر شخصيات مهنية مستقلة التفكير ليست مرتبطة بالنظام الجديد، وتستمر وسائل الاعلام في كشف الفضائح وإرغام الحكومة على المضي بحذر واضح.ولكن بمجرد أن تفوز تلك الحكومات بفترة ثانية تبدأ قيود الماضي في التبخر ويعمد القادة الى الشروع في تنفيذ أحلامهم غير الليبرالية من دون اكتراث.وتشكل حكومة بولندا الشعبوية التي فازت بفترة رئاسية ثانية في فصل الخريف الماضي مثالاً مخيفاً لهذا الاتجاه، وفي فترة رئاسة حزبه الأولى بدأ رئيس الوزراء جاروسلو كازينسكي بتقويض استقلال النظام القضائي وتحويل وسائل الاعلام في بولندا الى أبواق دعاية قوية له وتقييد حقوق الأقليات المختلفة... ولكن إدراكه للحاجة الى الفوز بفترة ثانية دفعه الى تحقيق تسوية حول اصلاحاته الأشد تطرفاً، فعندما سارت النساء بالملايين في شوارع المدن الرئيسية في بولندا للاحتجاج على قانون كان يهدف الى حظر الاجهاض حتى في حالات الاغتصاب قام حزبه – القانون والعدالة – بسحب مشروع القانون، وعندما وجه الاتحاد الأوروبي اللوم إلى ذلك الحزب بسبب حملاته على استقلالية القضاء لم تعمد الحكومة إلى وضع المحكمة العليا تحت رقابتها المباشرة.ويعمل كازينسكي الآن على انجاز مشروعه الذي لم يكتمل وهو قانون جديد يسمح بإنهاء خدمات القضاة في حال ارتكابهم مخالفات متكررة بما في ذلك الاعراب عن آرائهم السياسية، وفي حقيقة الأمر فإن ذلك يفوض الحكومة خفض درجة القضاة الذين يخالفون موقفها، وكما قال أعضاءالمحكمة العليا، في بيان لهم، فإن ذلك الاصلاح يعادل "الاستمرار في حالة غياب القانون خلال ثمانينيات القرن الماضي» عندما خضعت البلاد لنظام الأحكام العرفية.تصرفات دونالد ترامب
ألحق الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكثير من الضرر بحكم القانون، كما أن سيطرته القوية على الحزب الجمهوري جعلت من المستحيل بشكل فعلي على الكونغرس احتواء الرئيس في حال عدم الموافقة على تصرفاته. وقد مارس ترامب الكثير من النفوذ الصارخ على مؤسسات مثل مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة الخارجية، وأصبح واضحاً الآن أنه أساء استخدام سلطته من أجل الحاق الضرر بمنافسه المحتمل في انتخابات عام 2020.وحتى في هذه الحالة قالت مادلين أولبرايت محذرة من فاشية وشيكة في الولايات المتحدة إنه على الرغم من كل الضرر الهائل الذي ألحقه ترامب بالمؤسسات الأميركية لا توجد في الأفق أي قوة مناوئة له.وربما كان ذلك هو السبب الذي بدد الخوف والغضب اللذين ظهرا في الاحتجاجات الكبيرة في الأشهر الأولى من عام 2017، كما أنه لا احتمالات ادانة ترامب بعد محاكمته ولا الأطفال الذين لا يزالون محتجزين في أقفاص عند الحدود الجنوبية للولايات المتحدة قد أثار أي شيء يشبه الحشد الذي برز خلال الشهور الأولى من رئاسة ترامب. ويفترض الكثير من المراقبين أن اعادة انتخاب ترامب لفترة رئاسية ثانية لن تجلب أي شيء أسوأ من فترته الأولى... أربع سنوات اخرى مرعبة.في غضون ذلك يتعين أن تخرج الأحداث الراهنة في الهند وبولندا المواطن الأميركي من حالة الاذعان هذه كما أن فترة رئاسة ترامب الأولى كانت في أحسن الأحوال دليلاً على الأهوال التي تنتظرنا اذا تمكن من الفوز بفترة رئاسية ثانية – لأن الشعبويين عندما يعاد انتخابهم يصبحون دائماً أكثر راديكالية وأشد خطورة.* ياشا مونك