استطاع مركز جابر الأحمد الثقافي، من خلال الموسم الثقافي 2019/ 2020، أن يصنع الفارق على مستوى الفعاليات التي ينظمها، ليغرِّد في صدارة المشهد الثقافي والفني بالكويت والخليج، باستقطاب عروض عالمية ذائعة الصيت، لتحط الرحال في المسرح الوطني للمرة الأولى.

مساء أمس الأول كان الجمهور على موعد مع العرض الأول لباليه «جيزيل»، قدمته فرقة مسرح لاسكالا الإيطالية، في ظهور يُعد الأكبر لها على مستوى الشرق الأوسط، من إخراج فريدريك أوليفييري، وبمصاحبة أوركسترا أوبرا الدولة المجرية بقيادة المايسترو ديفيد كولمان، حيث عزفت موسيقى حية تنبض بالحياة.

Ad

وأعادت فرقة مسرح لاسكالا للباليه تقديم الملحمة الرومانسية «جيزيل»، التي عُرضت للمرة الأولى على خشبة مسرح لاسكالا في عام 1950، لتظهر بحلة استثنائية في الكويت خلال الأيام الأولى من عام 2020، مدعومة بديكورات ضخمة تكاملت فيها جميع عناصر الإبهار والفرجة، من قطع صُممت بحرفية عالية تم دمجها بذكاء مع الشاشات العملاقة التي تعمل وفق تقنية الـ 3d، فضلا عن الإضاءة التي زادت من جمالية الصورة، وأخيرا الأوركسترا المجرية، والتي عزفت موسيقى حيَّة تنبض بالحياة، لتكمل عقد القصة الرومانسية التي ما زالت تجذب الجمهور بتقديمها عالمَين متباينين: الحياة المبهجة والعالم الآخر بين القبور المظلمة حول الفتاة الريفية جيزيل والأمير ألبريخت، اللذين يعبِّران، من خلال تنوُّع حركاتهما الراقصة وأدائهما، عن مختلف حالات السعادة والحزن واليأس، في إطار حكاية عن الحب والخيانة والندم، لنصل في النهاية إلى أن الحياة لا طعم لها دون الحب.

رشاقة وتناغم

وأمام حضور جماهيري كبير توافد قبل بدء العرض بساعة تقريبا على المسرح الوطني، تابعنا تلك الملحمة، التي عبَّر عنها راقصو الباليه برشاقة وتناغم وأداء مميَّز، حيث شكَّلوا بأجسادهم لوحات جمالية، وتنقلوا بخفة فوق خشبة المسرح الوطني، ليعبِّروا عن مختلف حالات فرح اللقاء، وحزن الفراق، والألم الإنساني.

وعلى مدار ساعتين دارت أحداث العرض في فصلين؛ الأول يحتفل الفلاحون في قرية راين لاند بمهرجان الحصاد، حيث يحاول الأمير الشاب ألبريخت متنكرا في شخصية شاب بسيط اسمه لويس، أن يخطب ود فتاة تُدعى جيزيل، التي تستجيب له. في الوقت نفسه يشك هيلاريون، الذي يحب جيزيل، في هوية لويس الحقيقية، كما تسيطر عليه مشاعر الغيرة، وينتظر اللحظة المناسبة للانتقام.

وتعيش جيزيل حالة من السعادة الغامرة تعمي عينيها عن نصائح وتحذيرات أمها، التي تروي لها قصة «الويليس»، وهن العذراوات اللاتي هجرهن الحبيب، ووافتهن المنية قبل الزواج، وتحوَّلن إلى أرواح هائمة تحاول إغواء الرجال في الليل، وإجبارهم على الرقص معهن حتى الموت.

موكب النبلاء

في تلك الأثناء يصل القرية موكب من النبلاء كانوا في رحلة صيد، ومن بينهم دوق كورلاند وابنته باتيلد المخطوبة للأمير ألبريخت. وتحكي جيزيل لابنة الدوق عن حبها، وتتلقى منها هدية زواج، وفي تلك اللحظة يظهر هيلاريون، ليكشف أن الأمير ألبريخت ولويس ليسا سوى شخص واحد، ولا يستطيع الأمير الإنكار، في حين تشعر جيزيل بالخيانة، وتفقد صوابها، وفي رقصة ثائرة تحاول أن تقتل نفسها بسيف ألبريخت، ثم تصاب بالهستيريا، وتسقط ميتة، بعد أن فطرت الخيانة قلبها.

وفي الفصل الثاني من العرض يتابع الحضور عودة الأمير ألبريخت إلى القرية، يأكله الندم، حيث تظهر أرواح العذراوات «الويليس» للأمير خلال الليل، ليخرجن من قبورهن، وبينهن جيزيل، وتقودهن الملكة ميرتا، التي تقرر معاقبة ألبريخت بالرقص حتى الموت، ومعه أيضا هيلاريون. ويطلب ألبريخت السماح والعفو من الملكة ميرتا، لكنها تؤكد له أن قانون الويليس لا تراجع فيه. وتحاول جيزيل إنقاذه بالرقص معه، لتساعده على أن يقاوم حتى شروق الشمس، لتنتهي لعنة الويليس، وفي الصباح يجد ألبريخت نفسه في القرية وحيدا تكبله حبال الندم.

يُذكر أنه من خلال تقديم باليه «جيزيل» في المواسم الأخيرة من برنامج لاسكالا، وضمن جولات الفرقة في أرجاء العالم، يتم تكريم راقصة الباليه إيفيت شوفيريه، تلك الفنانة الاستثنائية التي رحلت عن عالمنا أخيرا.

فريق العمل

قدمت فرقة باليه تياترو لاسكالا عرض جيزيل للمخرج فريديريك أوليفييري، وهي باليه في فصلين من تأليف جول هنري وفيرنوا دي سان جورج وتيوفيل غوتييه، وتصميم الرقصات جان كوراللي وجول بيرو، وإعادة تصميم الرقصات إيفيت شوفيريه، وموسيقى آدولف آدم، وتصميم المناظر والأزياء ألكسندر بينوا، وإعداد أنجيلو سالا وتشينسيا روسيللي، وإنتاج تياترو لاسكالا.

ويشارك في لعب الأدوار الرئيسة بشخصية جيزيل؛ نيكوليتا ماني وفيتوريا فاليريو وبدور ألبريخت كلاوديو كوفييللو وماركو أغوستينو. وفي دور دوق كورلاند أليساندرو غريو، وبشخصية الأميرة باتيلد إيمانويلا مونتاناري ودانيلا سيغريست، وبشخصية والدة جيزيل بياتريس كاربوني وديبورا جيسموندي، وفي دور هيلاريون كريستيان فاجيتي وماسيمو غارون.

أوركسترا الدولة المجرية

تُعد أوركسترا الدولة المجرية أقدم الفرق الأوركسترالية في المجر، ونظرا للعدد الكبير من العروض التي تقدمها، تعد الأوركسترا الأكثر أداء على مستوى المجر.

وتعود بدايات أوركسترا أوبرا الدولة المجرية إلى عام 1838 عندما بادر فيرينس إيركل بتأسيس أوركسترا للمسرح المجري في بشت (عرف لاحقا باسم المسرح الوطني)، وبعدها بعام واحد انتقلت الأوركسترا إلى مقرها الحالي بدار الأوبرا، بعد افتتاحها في عام 1884 وتولي قيادتها منذ ذلك الحين عدد من المدربين الموسيقيين المرموقين، من بينهم فيرينس إيركل وشاندور إيركل وغوستاف مالر وإيشتفان كيرنر ويانوس فيرنشيك وآدم مدفتسكي ويانوش كوفاكش، ومنذ مارس 2016 يدير الأوركسترا بالاش كوكشا.

وخلال تاريخها الطويل، قدمت الأوركسترا العروض الأولى للأعمال الأوبرالية والباليه، سواء المجرية أو العالمية، كما صاحبت مطربي الأوبرا المجريين من أجيال متعددة، إضافة إلى الأسماء العالمية من نجوم الغناء الأوبرالي، ومن بينهم: ماريو ديل موناكو ولوتشيانو بافاروتي ومونسيرات كابلييه وخوسيه كاريراس.

لاسكالا... من إيطاليا إلى الكويت

يعود تاريخ فرقة مسرح لاسكالا للباليه الإيطالية إلى قرون قبل افتتاح إحدى أهم دور الأوبرا بالعالم في عام 1778، مسرح لاسكالا، والذي يضم إضافة إلى فرقة الباليه جوقة مسرح لاسكالا، وأوركسترا مسرح لاسكالا، كما يحوي أكاديمية تعليمية تُعرف باسم «أكاديمية مسرح لاسكالا».

وفي السنوات الأخيرة انطلقت فرقة مسرح لاسكالا للباليه عالميا، حيث قدمت عروضها في أوبرا غارنييه بباريس، وفي الولايات المتحدة، وعلى مسرح البولشوي بموسكو، ومسرح ماريينسكي- كيروف في سانت بطرسبرغ، وفي ألمانيا وتركيا والبرازيل وإسبانيا والمكسيك والصين وأستراليا، لتحل أخيرا ضيفة على الكويت.

وتحقق هذا النجاح، بفضل نجوم الفرقة الثلاثة: سفيلتانا زاكاروفا، وروبيرتو بول، وماسيمو مورو، إضافة إلى المواهب الشابة التي أسندت الفرقة إليها أدوارا رئيسة، كما دُعي مشاهير قادة الأوركسترا لقيادة عروض الباليه.

يدير الفرقة فريدريك أوليفييري منذ عام 2016، كما أدارها في الفترة بين 2002 و2007، وعمد أوليفييري (وهو أيضا مخرج باليه جيزيل) إلى إجراء تغييرات كثيرة، منها زيادة هيكل الفرقة، وإبراز المواهب الشابة التي تتدرب في مدرسة الباليه، أحد المصادر التي تُمِد الفرقة بالأعضاء الجدد.

كما يهتم أوليفييري، إضافة إلى رصيد الفرقة الأكاديمي، بإبداعات جديدة تصمم خصيصا لفرقة مسرح لاسكالا للباليه، حيث تتميز الفرق الكبرى باهتمامها بالمواهب الشابة، وتقديم إنتاجات جديدة تناسب عصرنا الحالي.