الأسرة الحاكمة ملتزمة بالعقد
هذا ما قرره سمو الشيخ صباح الخالد رئيس مجلس الوزراء في جلسة مجلس الأمة المعقودة يوم الأربعاء 8 يناير، مؤكداً على أن "الأسرة الحاكمة من رحم الشعب"، مطالباً بشطب ما ورد من إساءة إليها في كلمة لأحد الأعضاء، وقد وافق المجلس بأغلبية ساحقة على شطب ما ورد في هذا الصدد.العقد الاجتماعي وسمو الشيخ صباح الخالد يشير في هذا إلى العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين الذي يتعين عليهما الالتزام بأحكامه، وترجع فكرة العقد الاجتماعي إلى كونفوشيوس (551-449 ق.م) ومن بعده أفلاطون، إلى أن استقرت معانيها المعاصرة في كتاب العقد الاجتماعي سنة 1762م لجان جاك روسو.ويتمثل العقد الذي أشار إليه سمو رئيس مجلس الوزراء بدستور الكويت الذي جاء بإرادة شعبية ممثلة في المجلس التأسيسي المنتخب، وبموافقة صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، طيّب الله ثراه، الذي كان حاكماً مستنيراً، اجتمعت إرادة سموه وإرادة المجلس المكون من نخبة من أصحاب الرأي المخلصين لبلدهم، الذين وضعوا نصب أعينهم مصلحة الكويت، فقد أقام هؤلاء الرجال من وعيهم الحجر المكين لهذا البناء الديمقراطي الشامخ، ومن ضمائرهم السياج المتين والملاذ الأمين للحرية والمساواة والعدالة، بتقريرهم لضماناتها في نصوص الدستور، منكرين لذواتهم، مضحين بمصالحهم الخاصة، في ما وضعوه من نصوص دستورية تحظر على أي وزير أن يزاول عملاً صناعياً أو تجارياً، وقد كان أغلبهم تجاراً، وفي ما نص عليه واضعو الدستور من حظر إسهام الوزراء أو إسهام أعضاء مجلس الأمة في التزامات تعقدها الحكومة، في وقت كانت مجالات استثمارات القطاع الخاص محدودة جداً في الوضع الاقتصادي بالبلاد وقتئذ. وقد رحل هذا الرعيل الأول، الواحد تلو الآخر، بعد أن أثروا الحياة الديمقراطية بهذا الدستور وحملوا عبء تحديث المجتمع، وعبء المشاركة في الحياة النيابية في مستهل عهدها فأرسوا المبادئ والتقاليد البرلمانية السليمة.وأذكر من هذا الرعيل النائب المحترم الراحل سامي المنيس الذي شارك في استهلال الحياة النيابية، عندما طلب شطب ما اعتبره إساءة إلى الوافدين، سوف تترك رواسب خطيرة في المجتمع، تعليقاً على ما قرره أحد النواب أن من يلبس البنطلون يلقى رعاية في المستوصف لا يلقاها الكويتي، مجرد تلميح ودون أي إساءة.دستور يتجاوز العقد الاجتماعي والواقع أن الدستور الكويتي لا يقوم على فكرة المواطنة، التي يقوم عليها العقد الاجتماعي، بل على فكرة أن الكويت أسرة واحدة، وما تحمله هذه الكلمة من رابطة الدم، ولو كانت تقال في هذا السياق مجازاً، إلا أنها بسبب روابط المصاهرة التي تربط أبناء الأسرة الحاكمة بأغلب العائلات الكويتية وبالقبائل أيضاً، قد أصبحت حقيقة مثالية. وقد رددت المذكرة التفسيرية هذا المعنى فيما قررته المذكرة التفسيرية للدستور بأن "وحدة الوطن واستقراره، هي الأصل في بناء العهد الجديد (حكم ما بعد الدستور)، وأنها العمود الفقري لهذا الدستور".الكويت الأسرة الواحدة وتستطرد المذكرة فتقول: "فلقد امتاز الناس في هذا البلد عبر القرون، بروح الأسرة ترتبط بينهم كافة، حكاما ومحكومين، ولم ينل من هذه الحقيقة ذات الأصالة العربية ما خلقته القرون المتعاقبة، في معظم الدول الأخرى من أوضاع مبتدعة ومراسم شكلية باعدت بين حاكم ومحكوم، ومن هنا جاء الحرص في الدستور الكويتي على أن يظل رئيس الدولة أبا لأبناء هذا الوطن جميعا".وفيما قررته كذلك في سياق تصويرها لنظام الحكم من أن مشاركة أفراد الأسرة الحاكمة في تشكيل الحكومة "كون الأسرة الحاكمة من صميم الشعب تحس بإحساسه ولا تعيش بمعزل عنه"، وقد أقر المجلس التأسيسي للمذكرة التفسيرية لدستور الكويت، بعد إقراره الدستور، كما ناقشها المجلس مثلما ناقش مواد الدستور، وأقر المجلس ما جاء في عجز المذكرة بأنه "في ضوء ما سبق من تصوير عام لنظام الحكم، ووفقاً لهذه الإيضاحات المتفرقة في شأن بعض المواد، يكون تفسير أحكام دستور دولة الكويت"، الأمر الذي اعتبرت فيه المذكرة ملزمة في تفسير نصوص الدستور، وكأنها جزء من الوثيقة الدستورية.
مقالات
ما قل ودل: المجلس التأسيسي أقر ما هو أكثر من العقد الاجتماعي
12-01-2020