رحل مساء أمس الأول السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، عن 79 عاماً، وجرى تعيين ابن عمه هيثم بن طارق آل سعيد خلفاً له، في انتقال سلس للسلطة.

وتعهد السلطان الجديد هيثم بن طارق، أمس بعد تعيينه، بمواصلة نهج سلفه بما في ذلك السياسة الخارجية القائمة على "عدم التدخل".

Ad

وقال السلطان الجديد في أول تصريحات له منذ تنصيبه سلطاناً: "السلطان قابوس أرسى مكانة دولية للسلطنة وسنسير على نهجه"، مؤكدا دعم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والاعتزاز بدورها في صون منجزات ومكتسبات البلاد.

وأضاف بن طارق: "سوف نرتسم خط السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت (...) وسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرنا واحترام سيادة الدول، وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات".

وتابع: "كما سنبقى كما عهدنا العالم في عهد المغفور له (...) داعين ومساهمين في حل الخلافات بالطرق السلمية"، مؤكداً: "سنواصل مع الأشقاء في دول الخليج مسيرة التعاون والتعاضد ونسعى مع الدول العربية إلى النأي بالمنطقة عن الصراعات".

مجلس العائلة

والسلطان قابوس ليس له أولاد، ولم يعلن على الملأ من يوصي بأن يخلفه. وينص قانون صادر عام 1996 على أن تختار العائلة الحاكمة سلطانا جديدا خلال ثلاثة أيام من خلو العرش. وفي حال عدم التوافق يجري تعيين الشخص الذي حدده السلطان المتوفى في رسالة سرية، لكن العائلة الحاكمة ارتأت فتح رسالة السلطان قابوس وتسمية الشخص الذي رشحه لخلافته.

وأعلنت الحكومة العمانية، في تغريدة أمس، أن "صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد حفظه الله يؤدي القسم سلطانا للبلاد (...) إثر انعقاد مجلس العائلة المالكة وتقريره تثبيت من أوصى به جلالة السلطان قابوس بن سعيد".

ونشر مجلس الدفاع صورا من الاجتماع الذي عقد، موضحا في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية: "يسترعي مجلس الدفاع انتباه المواطنين الكرام بأنه وبالإشارة إلى البيان الأول الذي أعلن فيه عن قيامه بدعوة مجلس العائلة المالكة إلى الانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم فقد تسلم مجلس الدفاع اليوم ردا كريما من مجلس العائلة المالكة تمثل في أن المجلس انعقد وقرر عرفاناً وامتناناً للمغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، رحمه الله، وبقناعة راسخة تثبيت من أوصى به في وصيته إيماناً من المجلس بالحكمة المعهودة لجلالته طيب الله ثراه".

وأضاف البيان: "وعليه، أوكل مجلس العائلة المالكة لمجلس الدفاع القيام بفتح الوصية، وفقاً لما نصت عليه المادة (6) السادسة من النظام الأساسي للدولة واتخاذ الإجراءات لتثبيت من أوصى به جلالة السلطان بالتنسيق مع مجلس العائلة المالكة... وبعون من الله وتوفيقه عقدت جلسة فتح الوصية اليوم السبت 11 يناير ۲۰۲۰م بحضور معالي الفريق أول وزیر المكتب السلطاني رئيس مجلس الدفاع بالإنابة، ومعالي الفريق المفتش العام للشرطة والجمارك، ومعالي الفريق رئيس جهاز الأمن الداخلي، والفريق الركن رئيس أركان قوات السلطان المسلحة، واللواء الركن قائد الجيش السلطاني العماني، واللواء الركن طيار قائد سلاح الجو السلطاني العماني، واللواء الركن بحري قائد البحرية السلطانية العمانية، واللواء الركن قائد الحرس السلطاني".

وتابع المجلس في بيانه: "كما حضر الجلسة معالي الدكتور رئيس مجلس الدولة وسعادة رئيس مجلس الشورى وفضيلة الشيخ الدكتور رئيس المحكمة العليا وفضيلة الدكتور نائب رئيس المحكمة العليا وفضيلة الدكتور نائب رئيس المحكمة العليا... وتشرف مجلس الدفاع بحضور أصحاب السمو أفراد العائلة المالكة الكريمة شهودا كراما على الإجراءات. وعليه، فقد نال مجلس الدفاع شرف فتح الوصية وقراءتها بشكل مباشر على جميع الحاضرين الكرام والإعلان بأن جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم، حفظه الله ورعاه، هو سلطان عمان".

بين الاستمرارية والإصلاح

ويخلف السلطان الجديد السلطان قابوس بعد توليه حكم السلطنة نحو 50 عاما، قام خلالها بنقل بلاده من دولة معزولة تفتقر للخدمات الأساسية إلى بلد متطور ومحايد يحظى باحترام في الخليج وعلى الساحة الدولية.

والسلطان الجديد هيثم بن طارق (65 عاماً)، محب للرياضة، وتولى منصب نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، قبل أن يصبح وزيراً للتراث والثقافة إبان التسعينيات.

كما انه أول من شغل منصب اول رئيس للاتحاد العماني لكرة القدم مطلع الثمانينيات.

وخلال توليه وزارة الثقافة، لعب السلطان الجديد دورا بارزا في ترميم عدد من المواقع التاريخية في السلطنة.

وخلال عمله في وزارة الخارجية، مثل السلطان بلاده في مؤتمرات في الخارج، لكنه بقي مجهولا نسبيا على الساحة الدولية.

وتعهد السلطان الجديد بعد تعيينه مواصلة سياسة بلاده الخارجية القائمة على "عدم التدخل". وقال في أول تصريحاته بعد تنصيبه: "سوف نرتسم خط السلطان الراحل مؤكدين على الثوابت (...) وسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرنا".

ومنذ ديسمبر 2013، تولى السلطان الجديد رئاسة لجنة الرؤى المستقبلية المكلفة التخطيط لمستقبل عمان حتى عام 2040.

وقال عضو هيئة التدريس في قسم التاريخ في جامعة الكويت والزميل في مركز كارنيغي بدر السيف إن اختيار السلطان قابوس لهيثم بن طارق مرده "أنه ببساطة الأكثر قرباً لشخصيته. السلطان الجديد معروف بهدوئه وتأثره بالثقافة الانكليزية، كما كان الحال مع الراحل".

وأكد السيف لوكالة فرانس برس أن "شغف السلطان الجديد بعالم التجارة والاقتصاد سيكون محل ترحيب، خصوصا مع ضرورة انتهاج عمان لإصلاحات اقتصادية مهمة. سيسير الخلف على طريق سلفه، ولكن تبقى خطواته القادمة محط أنظار الكثير".

من جهته، قال كريستيان أولريشسن من معهد "بيكر" للسياسة العامة بجامعة رايس الأميركية إن تولي هيثم لرؤية 2040 "أمر مهم".

وأكد أولريشسن لفرانس برس إن رؤية 2040 "هي خطة اصلاح اقتصادي طويلة الأمد ستحدد ما إذا كانت سلطنة عمان ستنجح في التحول إلى اقتصاد في مرحلة ما بعد النفط في السنوات والعقود المقبلة".

ويرى محللون أن الانتقال السريع والسلس للسلطة، يظهر أن السلطان الجديد يحظى أيضاً بالدعم الذي يحتاج إليه لقيادة السلطنة، في وقت يتصاعد فيه التوتر في المنطقة.

عُمان تشيِّع قابوس إلى مثواه الأخير

شيعت سلطنة عمان، أمس، السلطان الراحل قابوس بن سعيد بمقبرة العائلة بولاية بوشر بمحافظة مسقط من دون حضور دولي أو إقليمي.

وذكرت وكالة الانباء العمانية ان المشيعين تقدمهم السلطان هيثم بن طارق بمعية أفراد الأسرة المالكة والوزراء والمستشارين والقادة العسكريين وأعضاء مجلس الدولة وأعضاء مجلس الشورى وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين وجموع غفيرة من المواطنين.

وأشارت الوكالة إلى أن موكب الجنازة خرج من قصر بيت البركة إلى جامع السلطان قابوس الأكبر مروراً بشارع السلطان قابوس، إذ اصطف المواطنون وأفراد القوات المسلحة على جانبي الطريق.

وبث التلفزيون العماني الرسمي مشاهد لموكب الجنازة على طريق يحده النخيل، ثم نُقل النعش على عربة ملفوفاً بالعلم العماني إلى جامع السلطان قابوس الأكبر.