• ما تقييمك لوصول روايتك إلى قائمة «البوكر» الطويلة وسط هيمنة أدب المغرب العربي؟
- كلّ دورة من دورات البوكر لها أسرارها ومفاجآتها أيضا، وصعود أدب المغرب العربي يكشف عن تطوّر فنون الكتابة، وتنوّع التّجارب، والتحام الكاتب بهموم ما يعيشه الوطن من قضايا وهموم ومتحوّلات أيضا مثل التطرّف والإرهاب، وجيوب الفقر، وبطالة الشّباب، والهجرة غير الشرعية، وغيرها من الهموم التي سيطرت على بلدان المغرب العربي، ولكن هذا لا يعني أنّ أدب المغرب العربي صار في مرتبة الرّيادة وتفوّق على الشّرق، أدب المشرق يظلّ حاملا لعمق إبداعي وحضور دائم، فالمسألة كما أراها تتّصل هذه السّنة بتميّز نصوص وأقلام، وأعتقد أنّ قدر الرّوائي أن يعيش التحدّي في مسيرته دوما ليس من أجل الجوائز إنّما من أجل تطوير تجربته وتعميق أبعادها الإنسانيّة.
يهود تونس
• ماذا عن روايتكم المنافسة «حمام الذهب»؟- تسرد رواية «حمّام الذَّهَب»، وقائع من تاريخ يهود تونس بـ«حيّ الحارة» أو «حارة اليهود» منذ مجيئهم إلى تونس، هرباً من مدينة قرنة ليفورنو في إيطاليا إلى حدود سنة 2010، وهذه الوقائع سليلة خرافة «حمّام الذَّهَب» القريب من «سيدي محرز» في المدينة العتيقة بتونس العاصمة، وهي خرافة ظلّت عالقة بالذّاكرة الجماعيّة والتراث الشفويّ الشعبيّ، وقد غذّاها اختلاف الروايات حولها بألغاز وأسرار غامضة أضفت عليها سحراً يستقطب الناس إلى محاولة فكّ شفراته للإجابة عما يثيره من أسئلة، ولئن كان سحر الخرافة في البحث عن الذّهب فإنّ سحر تسريد تاريخ يهود القرانة أعمق من ذلك بكثير بحكم أنّه ينبش عن هُويّة أهملها المؤرّخون وتناساها النّاس.قيمة الجوائز
• لكن هل ساهمت الجوائز الأدبية في الارتقاء بكتابة الرواية؟- لا أحد بإمكانه أن ينكر قيمة الجوائز الأدبيّة المحليّة والعربيّة في الارتقاء بكتابة الرّواية، إنّ خلق أجواء التّنافس من شأنه أن يدفع الرّوائي إلى مزيد العمل والكفاح من أجل نصّ متميّز ومختلف، وشخصيّا ساهمت جائزة الكومار الذّهبي للرّواية التونسيّة سنة 2017، التي أحرزتها عن رواية «جهاد ناعم»، في تحفيزي إلى مزيد من العمل والتعلّم وإثراء التّجربة، أجل إنّ التّعلّم في الكتابة هو يومي بحكم أنّ مناخات الكتابة هي متحرّكة ومتحوّلة.البحث والكتابة
• كيف ترى علاقتك بأشخاص رواياتك؟ هل يتم السرد من خلال علاقة ود أم تنافر؟- في الزّمان الذي أقضيه مع أيّ رواية، وفي مرحلتي البحث والكتابة أكون شخصيّة من شخصيّات الرّواية، وأفعل كلّ ما تفعل في المتخيّل، أتقمّص الأدوار وأعرف كل الأمكنة بتفاصيلها، ففي رواية حمّام الذّهب دخلت حمّام الذّهب للاستحمام 13 مرّة قصداً، وعدد 13، هو عدد فصول الرّواية، وأمضيت أمسيات في مقام سيدي محرز وسط النّساء، وجلست في دكاكين بيع القماش والذّهب، وطرقت أبواب منازل في نهج الباشا، وباب سويقة، ونهج الذّهب، وتسكّعت في كلّ أنهج المدينة العتيقة وكلّ الأمكنة الأخرى في الرّواية مثل صبّاط الدّزيري، وشارع الحبيب بورقيبة، وشارع مارسيليا، وبار إيطاليا الجميلة وغيرها وغيرها، فالرّواية بالفعل هي مدينة روائيّة تحتاج إلى كثير من الجهد والقلق والفوضى والمغامرة والجنون أيضاً.المغرب العربي
• تبرز في المغرب العربي أقلام نسائية مهمّة... كيف تقيمون هذه التجارب؟- المرأة في المغرب العربي هي الأخرى تعرف أشكالا متعدّدة من المقاومة، مقاومة من أجل الحريّة والكرامة، ومقاومة ضدّ التحرّش والعنف، ومن الطّبيعي أن تبرز أقلام نسائيّة مهمّة، أكتفي في هذا المعنى بذكر الدّكتورة التّونسيّة ألفة يوسف، فأطروحاتها الفكريّة التنويريّة تختزل الوعي الذي اكتسبته المرأة في تونس، وعي إزاء ذاتها ووطنها ودينها، الدّين هو دين محبّة وتعايش وانتصار للحياة والحريّة، وليس دين عنف وحقد وكراهيّة وتطرّف.ثورة النّصوص
• النقد الأدبي، أين هو؟ أم ان هناك توافقا بين أفراد الجماعات الأدبية ليتم انتاج نقد متطور؟- النّقد الأدبي لا يساير ثورة النّصوص خصوصا الرّواية، هذا صحيح، لكن علاقة رواياتي بالنّقد علاقة جيّدة، فقد كتب عنها نقّاد ودكاترة مختصّون دراسات نوعيّة، بالإضافة إلى كونها بُرمجت للتدريس في الكثير من الكليات في تونس وفي الجزائر، فالنّقد لا يبحث إلا عن النصوص المتميّزة وبحكم هذه الوفرة، وهذا الكمّ الهائل من الانتاجات الورقيّة فإنّ النّاقد هو الآخر في حيرة من أمره، وفي فترة تأمّل وتطوير لمقارباته، هكذا أعتقد.دور الكاتب
• بما لديكم من وعي نقدي، ما انعكاساته وتأثيراته على أعمالكم؟- الوعي النّقدي ضروري لأيّ كاتب، حتّى يواكب متحوّلات الكتابة ومتغيّراتها، فالكتابة ليست ثابتة وراكدة، إنّها تتحرّك بشكل يومي في لغتها وهندستها ورهاناتها، ولكنّ هذا الوعي النقدي لا يمكن بالمرّة أن يتسلّط على فعل الكتابة ومناخاتها وجماليّاتها التي أسعى إلى تثويرها من رواية إلى أخرى.• هل اختيارك للأحداث والشخصيات ينبع من التزامك بدور الكاتب نحو مجتمعه؟- الكاتب ملتزم فعلا نحو مجتمعه ووطنه وضميره ووعيه الإنساني بالأساس، فبعد روايتي الأولى كان لابدّ أن أفكّر في مشروع روائي يُوثّق سرديّا لهوية تونس، وكان مشروع الأديان والمكان، والمكان هو تونس، ففي رواية «جهاد ناعم» كانت التّيمة المركز هي التحوّل في تونس بعد الثّورة إلى التطرّف والتجارة بمشاعر الشّباب والفقراء، وفي رواية «حمام الذّهب» اشتغلت على تاريخ الأقليّة اليهوديّة أو يهود القرانة، وما كان يُميّز مدينة تونس العتيقة من تعايش بين اليهود والمسلمين والمسيحيين، وطرحت السّؤال الأخطر: لماذا كانت تونس في الماضي متعدّدة ومتنوّعة ومتعايشة بمختلف الحضارات والثقافات والدّيانات، والآن صارت حلبة للكراهيّة والحقد وإقصاء الآخر المختلف؟ أمّا روايتي الثّالثة في هذا المشروع فترتبط بالدّيانة المسيحيّة وأترك أسرارها إلى حين إنهاء كتابتها قريبا، وبعد هذا المشروع سأمرّ طبعا إلى مشروع جديد ورهانات أخرى.«في المعتقل»
• ما الرواية التي تمنيت كتابتها بشكل مغاير؟ - طبعا هي روايتي الأولى «في المعتقل» التي أصدرتها سنة 2013، بعد 11 سنة، كاملة من الانقطاع عن الكتابة.الكومار الذّهبي
• ما مشاريعك المستقبلية فى حقل الكتابة والتأليف؟- بعد رواية «جهاد ناعم» الصادرة سنة 2017 والحائزة جائزة الكومار الذّهبي للرّواية التونسية لنفس السنة، وهي رواية عن التطرّف والإرهاب اللّذين انتشرا في تونس وبلدان المغرب العربي بعد الثّورات في تونس وليبيا ومصر بشكل خاصّ، وبعد رواية «حمام الذّهب» أفرغ قريبا من رواية جديدة وهي الثّالثة والأخيرة في مشروع الأديان والمكان.