مع تولي سلطان جديد مقاليد الحكم في عُمان، ستتواصل على الأرجح من دون تغيير سياسة الحياد التقليدية التي اتبعتها السلطنة التي تميّزت بلعب دور الوسيط الإقليمي والدولي.

وتوفي السلطان قابوس الذي تولّى الحكم في 23 يوليو 1970، مساء الجمعة عن 79 عاما. وفي انتقال سلس وسريع للسلطة، أدى وزير التراث والثقافة العماني هيثم بن طارق آل سعيد، أمس، اليمين الدستورية بعد تعيينه سلطاناً لعمان خلفا لابن عمه الراحل.

Ad

ويرجح محللون أن يحافظ السلطان الجديد على إرث قابوس، ويستمر في سياسته التي جلبت الاستقرار السياسي إلى مسقط في منطقة غالبا ما تعصف بها الأزمات. وتوجّهت الدول الغربيّة مرارا إلى مسقط لتطلب منها التوسط ليس في النزاعات الإقليميّة فحسب، لكن في قضايا دولية أيضًا، بما في ذلك الاتّفاق النووي مع إيران في عام 2015.

وتعهد السلطان هيثم بن طارق بعد تعيينه بمواصلة سياسة بلاده الخارجية القائمة على "عدم التدخل".

وقال السلطان الجديد (65 عاما)، في أول تصريحات له بعد تنصيبه: "سوف نرتسم خط السلطان الراحل، مؤكدين على الثوابت (...) وسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرنا".

وأبقت السلطنة على قنوات اتصال مفتوحة مع إيران والمتمردين الحوثيين في اليمن، وكذلك مع إسرائيل التي لا ترتبط معها بعلاقات رسمية.

ويرى عضو هيئة تدريس في قسم التاريخ بجامعة الكويت الزميل في مركز كارنيغي، بدر السيف، أنه "من دون شك، ستظل عمان تتبع نفس النهج، حيث قدّم لها هذا النهج الكثير". وتابع: "بما أن الأسرة (الحاكمة) ارتضت خيار قابوس في تسمية الحاكم، فمن الطبيعي أن تستمر في سياساته الخارجية، حيث إن هذه السياسات قدمت الكثير لعمان، ولا سبب لتغيير النهج".

وقال السيف إن "طريقة تعاملهم (الأسرة الحاكمة) وسرعتهم رسالة للمواطنين والجيران بأن الأمور تحت السيطرة".

وكان السياف يشير الى مجلس الأسرة الحاكمة المنوط به، حسب الدستور، تسمية سلطان جديد اختار تثبيت الشخصية التي أوصى بها قابوس. وكان على مجلس الأسرة تسمية سلطان جديد في غضون 3 ايام، لكن إذا تعذّر ذلك فعليه أن يلجأ الى وصية السلطان. لكن الأسرة قررت اللجوء فورا الى رسالة قابوس، وتثبيت هيثم بن طارق الذي اختاره السلطان الراحل خليفة له.

وكان السلطان الجديد يتولى في السابق رئاسة لجنة الرؤى المستقبلية المكلفة التخطيط لمستقبل عمان حتى عام 2040.

وقالت كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن إن "الضمان الأفضل لحياد عمان سيكون عبارة عن إعادة هيكلة اقتصادية ناجحة تعتمد على شعبها، وتتجنب الاعتماد على أي قوة أخرى".

حافظت مسقط على علاقات جيدة مع طهران، بينما بقيت في مجلس التعاون الخليجي، رغم العداوة العميقة بين السعودية وإيران.

وكانت الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تشارك في حملة التحالف العسكري بقيادة الرياض ضدّ المتمرّدين الحوثيين اليمنيين.

وبعد أكثر من خمس سنوات على اندلاع الحرب بين الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والمتمردين، لا تزال سلطنة عمان أرضًا محايدة، حيث عقد الجانبان محادثات.

كما تستقبل عمان مجموعة من قيادات المتمردين، الذين غالبا ما يلتقون فيها سفراء دول غربية.

وتقول الخبيرة في شؤون الخليج، سنام فاكيل، من معهد "تشاتام هاوس" البريطاني إنه "من مصلحة (السلطان الجديد) تقديم نفسه كشخص سيدعم الاستمرارية، ويواصل إرث قائد مثل قابوس الذي كان يعتبر ناجحا".

وبحسب فاكيل، فإن الاستمرارية "مهمة للغاية"، لأن "سلطنة عمان تواجه نقاط ضعف اقتصادية، إضافة إلى تحديات داخل الخليج".

ويؤكد مراقبون أنه على الرغم من رحيل قابوس، فإن خبرة سلطنة عمان الدبلوماسية واستعدادها لخوض مفاوضات تتسم بالسرية في العادة أمر يتجاوز السلطان نفسه. وبحسب ديوان، فإن نزعة الحياد في عمان تعود إلى "موقعها الجغرافي المطل على بحر العرب وتاريخ استقلالها عن جاراتها في الخليج".

وتابعت: "ستستند القيادة الجديدة كثيرا إلى سلطة السلطان قابوس في إطار سعيها التعامل مع النزاعات الإقليمية الصعبة والتحديات الإقليمية".

وقالت إلينا ديلوجر، وهي الزميلة الباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أنهن "سيكون تحدّي السلطان هيثم من الآن فصاعدا هو الإسراع بتكوين علاقاته الشخصية مع الشركاء الأجانب، وتوضيح موقفه المرجح أن يبقى على نفس مسار السياسة الخارجية لعمان".