على وقع يوم ثان من التظاهرات المعارضة، التي شارك فيها آلاف الإيرانيين في طهران ومدن عدة، احتجاجا على حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية وطريقة تعامل النظام معها، تحركت مجددا جهود دبلوماسية إقليمية ودولية رامية لمحاولة التهدئة، بعد أن وجدت طهران نفسها في مأزق دولي غير متوقع عقب تصفية واشنطن القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، ورد إيران بمهاجمة قاعدتين تستضيفان أميركيين بالعراق دون إيقاع ضحايا.

وبعد إعلان الدوحة أنها تسعى للتنسيق مع الدول الصديقة لخفض التصعيد، قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بزيارة للعاصمة الإيرانية طهران، هي الأولى له منذ توليه الحكم في 2013.

Ad

وذكر بيان للديوان الأميري القطري أن الشيخ تميم بحث مع الرئيس الإيراني حسن روحاني آخر التطورات، كما التقى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، وجاء ذلك بعد اتصال هاتفي أجراه تميم مع روحاني، بالتزامن مع تصاعد التوتر، عقب الرد الإيراني على قتل سليماني.

وتزامنت زيارة تميم مع زيارة وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي لطهران ومن ثم السعودية، وأبلغ قريشي نظيره الإيراني محمد جواد ظريف «استعداد باكستان لدعم جميع الجهود التي تسهّل حل الخلافات والنزاعات بالسبل السياسية والدبلوماسية».

ومن المقرر أن يجتمع اليوم قريشي مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ثم يقوم لاحقا بزيارة للولايات المتحدة.

جولة آبي

في موازاة ذلك، استهل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي جولة خليجية تستمر 5 أيام من الرياض، التي وصلها مساء أمس الأول، وتهدف إلى التخفيف من حدة التوتر الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ قتلت الولايات المتحدة قاسم سليماني.

وتأتي جولة آبي، التي تشمل الإمارات وعمان، وأحاطت بها شكوك بعد قصف إيران للقاعدتين، في وقت يسعى لشرح قرار بلاده نشر سفينة عسكرية وطائرتي مراقبة في مياه الخليج، ورحب وزير الخارجية السعودي أمس بالمساهمة اليابانية في حماية مضيق هرمز.

تواصل الاحتجاجات

إلى ذلك، تواصلت الاحتجاجات في طهران وعدة مدن إيرانية، أمس، لليوم الثاني على التوالي، وردد المحتجون هتافات مناهضة للسلطات في أعقاب إقرار «الحرس الثوري» بإسقاط طائرة أوكرانية عن طريق الخطأ.

وأظهرت مقاطع فيديو خروج مسيرة احتجاجية لطلاب جامعة طهران، وسط العاصمة، وهتف المحتجون: «يكذبون ويقولون إن عدونا أميركا، عدونا هنا»، في إشارة إلى نفي السلطات الإيرانية على مدى 3 أيام فرضية إصابة الطائرة بصاروخ، والتي طرحتها «أوتاوا» منذ مساء الأربعاء الماضي.

طهران: لم نكلّف «الوكلاء» الثأر لسليماني

في حين نفى المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، أن تكون بلاده قد طلبت من القوى المتحالفة معها في المنطقة الرد على تصفية الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني، قال أكرم الكعبي، الأمين العام لميليشيات «حركة النجباء» العراقية المؤيدة لطهران، أمس، وفق وكالة أنباء الطلبة الإيرانية «إيسنا»، لزينب ابنة سليماني خلال زيارة منزل العائلة: «إن جبهة المقاومة، ستنتقم قريباً»، مضيفا «أعدكم بأن العراق لن يكون آمنا بعد الآن للأميركيين».

وجاء ذلك بعد لقاء إسماعيل قآني، خليفة سليماني برئاسة «فيلق القدس» بالكعبي، والأمين العام لميليشيات «سيد الشهداء» العراقية أبو آلاء الولائي، والأمين العام لـ «النجباء» في طهران.

وتداول نشطاء فيديو للطلاب في جامعة بهشتي، وهم يمتنعون عن السير على علم أميركا، وسط هتافات: «الموت للدكتاتور»، وطالب المحتجون بإسقاط كبار المسؤولين وعلى رأسهم المرشد الأعلى.

وأظهر مقطع فيديو حشداً كبيراً من طلاب جامعة أصفهان، وهم يرددون شعارات ضد خامنئي وقوات «الحرس»، ومن بينها «الحرس الثوري يرتكب الجريمة، والمرشد يدعمهم».

وشهدت عدة جامعات وعدة مدن، بينها سعادت آباد، مسيرات لتأبين ضحايا الطائرة، وانتشارا أمنيا مكثفا لمنع خروج تظاهرات جديدة ضد تعامل السلطات مع كارثة الطائرة ومقتل ركابها الـ176، وأغلبهم من الإيرانيين، وبينهم 17 من خريجي جامعة طهران.

وجاءت الاحتجاجات غداة تظاهرات مشابهة خاصة في طهران، حيث اعتقلت السلطات الإيرانية السفير البريطاني روب ماكاير 3 ساعات، واتهمته بالتحريض والمشاركة في احتجاجات نظمها طلاب جامعة اميركبير.

«الحرس» و«الشورى»

ومع تنامي الصراع بين أجنحة النظام، على خلفية التخبط الذي أدى إلى إسقاط الطائرة الأوكرانية، قال القائد العام لقوات الحرس، اللواء حسين سلامي، خلال كلمة في جلسة مغلقة عقدها مجلس الشورى (البرلمان)، لمناقشة أسباب استهداف الطائرة، «تمنيت أن أكون واحدا من المسافرين على متن هذه الطائرة وأموت مع ركابها، حتى لا أكون في موقف مخجل أمام الشعب الإيراني».

ونقل عن سلامي تبريره للحادثة بأن الخطأ وقع خلال استنفار غير مسبوق، تحسبا لرد أميركي على قصف القاعدتين بالعراق، وأن وقف حركة الملاحة الجوية ليس من صلاحيات قوات «الحرس».

الجدير بالذكر أن «الجريدة» علمت من مصدر مطلع أن «الحرس» تعمد إخفاء موعد قصف القاعدتين إلى آخر لحظة عن حكومة روحاني، وهو ما تسبب، بحسب المصدر، في وقوع الكارثة، حيث لم تتمكن هيئة الطيران المدني من اتخاذ التدابير الاحتياطية.

تنديد وتحذير

في السياق، نددت الخارجية البريطانية باحتجاز سفيرها لدى طهران، ووصفت في بيان احتجاز ماكير بأنه «انتهاك واضح للقانون الدولي».

وأضاف البيان أن «الحكومة الإيرانية تقف في مفترق طرق، حيث يمكنها أن تصر على الاستمرار في وضع الدولة المارقة التي تعاني عزلة سياسية واقتصادية أو تتخذ خطوات لوقف تصعيد التوتر وانتهاج طرق دبلوماسية».

من جهته، نفى ماكير مشاركته في أي تظاهرة ضد السلطات، وكتب على «تويتر»: «لقد ذهبت إلى حدث قُدّم على أنه وقفة لتكريم ضحايا مأساة الطائرة، خصوصا أن بعضهم بريطانيون»، مؤكدا أنه غادر بعد 5 دقائق من بدء البعض إطلاق هتافات، وأشار إلى أنه اعتُقل بعد نصف ساعة من مغادرته.

في هذه الأثناء، عبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تأييده ودعمه للمتظاهرين، وكتب على «تويتر» باللغتين الإنكليزية والفارسية متوجها إلى الشعب الإيراني بالقول إنه يقف «إلى جانبه».

وأضاف ترامب: «نحن نتابع تظاهراتكم عن كثب، وشجاعتكم تُلهمنا»، محذرا النظام الإيراني من ارتكاب «مجزرة أخرى بحق المتظاهرين السلميين».