الخليج يواجه تحديات الاستثمار في الطاقة النووية والمستدامة
التحول العالمي إلى منظومة الطاقة المستدامة حتميّ لتقليل الانبعاثات الكربونية
تواجه دول الخليج المنتجة للنفط عدداً من التحديات الآنية التي ترتبط بهيمنة النفط على اقتصاداتها والمخاطر الناشئة عن تغيّر الأسعار، وعليه فإنه ينبغي أن تعجّل دول المنطقة بتقليل اعتمادها على النفط، بما في ذلك تشجيع الاستثمار بقطاع الطاقة النووية والمستدامة عن طريق التعاون مع مراكز خبرة دولية متنوعة آسيوية وأوروبية في رسم الخطط والاستراتيجيات لتحقيق الريادة في هذا القطاع.
بالنظر الى الهدف الأساسي من استخدام الطاقة المتجددة، فهو يكمن في توفير الطاقة اللازمة وخلق وظائف للجيل الحالي دون الإخلال بحقوق الأجيال القادمة في حقها من الطاقة اللازمة لها؛ فضلا عن تأمين عالم آمن وقوي صحياً وبيئياً واقتصادياً، وعليه، فإن التوجه نحو الطاقة المتجددة والمستدامة ضرورة ملحّة لمواكبة التطور العالمي.ومع التحول العالمي الحتمي إلى منظومة الطاقة المستدامة والمتجددة، وتماشياً مع توجهات الأمم المتحدة في مجال الاستدامة، بغرض التخلص من الملوثات البيئية والحفاظ على صحة الإنسان، وذلك من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية وظاهرة الاحتباس الحراري التي ولّدتها مخلفات الطاقة الأحفورية على مدار سنوات طويلة، كان لزاما التوجه إلى أنواع أخرى من مصادر للطاقة تضمن استمرارها، وتجنب أضرار مخلفات استخدام أنواع مصادر الطاقة التقليدية، ومن هنا ظهر مفهوم الطاقة المتجددة والمستدامة.
طاقات متعددة
وتتعدد مصادر الطاقة المتجددة والمستدامة، وتعتمد كل دولة على استخدام مصدر أو عدة مصادر حسب إمكاناتها والمتاح لها من هذه المصادر، ومن أهم هذه المصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة النووية.وتعتبر الطاقة الشمسية من أهم مصادر الطاقة المتجددة والمستدامة في الدول التي تنعم ببزوغ الشمس أغلب فترات النهار على الأقل، وتعتبر دول الخليج العربي أهم الأطراف التي تعتمد على هذا النوع من مصادر الطاقة، وتبحث عن كل ما هو جديد بهذا المجال.ويرى بعض الخبراء المتخصصين أن الطاقة النووية، واحدا من أهم هذه المصادر، وقد شهد الكثير من الأبحاث والجدل لإدراجه ضمن منظومة الطاقة المستدامة والمتجددة، لافتين الى أنه مع تطور التكنولوجيا في هذا المجال إلى حد هائل وإجراءات الأمان والإجراءات الاحترازية غير المسبوقة أمكن الاعتماد على الطاقة النووية مصدراً للطاقة المتجددة والمستدامة، بل أحدثت الاستخدامات السلمية لها في مجالات الحياة المختلفة (الطب، والصناعة، والبترول، والبيئة، والمياه، والغذاء) ثورة عظيمة وفائدة لا تقدر بثمن تعود على الإنسان والبيئة بعظيم النفع والفائدة.تشجيع القطاعين
وفي هذا الإطار، فإنه لا بدّ من تشجيع القطاعين العام والخاص بصفة مستمرة على مضاعفة الاستثمارات السنوية في مجال الطاقة المتجددة لإبقاء مقدار الارتفاع في درجة الحرارة بالعالم أقل بكثير من درجتين مئويتين، وذلك وفقًا لتقرير جديد صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة الذي نشر قبل انعقاد قمة الأمم المتحدة للعمل من أجل المناخ في نيويورك. وفي ضوء أنه لم يعد يتبقى سوى 11 عامًا فقط للعمل على الحد من آثار تغير المناخ، فإن وصول حجم الاستثمارات السنوية في قطاع الطاقة إلى 4.3 تريليونات دولار حتى عام 2030 يُعد هو الحل الأكثر واقعية وسهولة من بين الحلول المناخية المتوافرة في العالم.ارتفاع الاستثمارات
وبناء على ما سبق، فإنه يتعيّن أن ترتفع استثمارات الطاقة المتجددة السنوية إلى الضعف خلال العقد القادم، من حوالي 330 مليار دولار إلى حوالي 750 مليارا في السنة حتى حلول عام 2030.ويسلط تقرير جديد صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة الضوء حول الاستثمار في مجال المناخ على الكيفية التي يجب من خلالها أن تركز الاستثمارات العالمية المتراكمة في مجال الطاقة تركيزًا كبيرًا على التقنيات منخفضة الكربون، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة. ولعل مستقبل الاستثمار في الطاقة المتجددة يستلزم إعادة توجيه أكثر من 18.6 تريليون دولار من الاستثمارات المقررة في الوقود الأحفوري بحلول عام 2050 لتتماشى مع المسار الذي يدعو إليه اتفاق باريس، وذلك وفقا للتقرير الخاص الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ.خطى واسعة
وعلى الرغم من الضرورة الملحة في ضرورة السير بخطى واسعة وسريعة للانتقال الى الطاقة المتجددة، فإن أنماط الاستثمار الحالية تُظهر عدم توافق صارخ مع المسار اللازم اتباعه لضمان مستقبل آمن مناخيًا. ومن خلال الطاقة المتجددة والكفاءة في استخدام الطاقة مجتمعين، إلى جانب التوسع في استخدام الطاقة الكهربائية، يمكن تحقيق 90 في المئة من الانخفاض في الانبعاثات المتعلقة بالطاقة، وفقا لما يقتضيه اتفاق باريس.وتقول الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إنه من الممكن الحدّ من التغير المناخي وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في العالم من خلال تسريع الوتيرة التي ننشر بها هذا النوع من الطاقة، حيث انه من خلال التحول في مجال الطاقة بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، يمكننا تحقيق أهداف خطة الأمم المتحدة لعام 2030 واتفاق باريس. وتُعتبر مصادر الطاقة المتجددة هي الأداة الوحيدة الجاهزة والمتاحة التي تمكننا من الإبقاء على مستوى 1.5 درجة مئوية على مدى السنوات الـ11 المقبلة».وتشير الوكالة الدولية للطاقة الى أنه من خلال السعى لتحقيق الأهداف المناخية، يمكن أيضًا تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، ولكن هناك حاجة ملحة لإعادة التفكير في قرارات الاستثمار الطويل الأجل في الطاقة لضمان تحقيق المستقبل المستدام الذي تحتاج إليه دول العالم أجمع.أكثر فاعلية
ويوفر تحويل نظام الطاقة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة مسارًا أكثر فاعلية من حيث التكلفة قياسا بعدم اتخاذ ما يلزم من إجراءات حيال المناخ. ومما يلفت النظر أن كل دولار يتم استثماره في مجال التحول بالطاقة سيدرّ عائدات تتراوح بين 3 و7 أضعاف في تحسين صحة الإنسان وانخفاض الإنفاق المتعلق بالمناخ وخفض الدعم.إلا أن تسريع وتيرة نشر الطاقة المتجددة يتطلب وضع سياسات توفر بيئة مواتية لفتح باب الاستثمار وتشجيع التنمية الاقتصادية، وفقا لما خلص إليه تقرير الوكالة الدولية للطاقة.تيسير المشاريع
لكن من الضروري أيضا أن ينصبّ اهتمام الوكالة الدولية للطاقة المتجددة على مثل تلك الاستثمارات بهذا القطاع، من خلال تيسير إقامة المشاريع ومساعدة البلدان في وضع أطر استثمار جذابة بمجال الطاقة المتجددة؛ كما أنه من الجدير بالذكر في هذا السياق أن تسعى الوكالة الى تعزيز التعاون مع القطاع الخاص والمؤسسات المالية الدولية والمنظمات المتعددة الأطراف.