لماذا يثير التقارب الروسي - التركي بمشروع للغاز قلقاً دولياً؟
افتتح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في 8 الجاري، خط أنابيب «ترك ستريم» الجديد لنقل الغاز إلى تركيا ووسط أوروبا، والذي وصفه إردوغان بأنه مشروع ذو أهمية تاريخية للعلاقات بين البلدين.وفي حين أن «ترك ستريم» سيعزز بالفعل الأهمية الجيوستراتيجية لتركيا، فإنه أثار الكثير من اللغط والمخاوف السياسية التي وصلت إلى الولايات المتحدة، كونه يرسخ اعتماد القارة العجوز -الحليف التقليدي لواشنطن- على الغاز الروسي.رغم الجهود الأوروبية لتنويع مصادر الطاقة، لا تزال الكثير من دول القارة تعتمد بشكل كبير على موسكو في توفير احتياجاتها من الغاز، وتعتبر روسيا الخط الجديد مكسبًا لها لأنه يمكنها من تمرير الشحنات دون الحاجة إلى أوكرانيا التي دخلت معها في صراع منذ عام 2014.
وبالنسبة لتركيا فإنه يساعدها على تحقيق حلم التحول إلى مركز رئيسي للغاز في المنطقة، وكل ذلك يحدث تزامنًا مع حملات تتهم روسيا بالتدخل في الشأن السياسي الغربي، ومع فرض عقوبات على موسكو لضمها شبه جزيرة القرم وتدخلها في سورية وليبيا (من المفارقات أن تركيا تدعم أطرافًا مخالفة لتوجه موسكو في هذين البلدين).
طبيعة المشروع
يتم مشروع «ترك ستريم» من قبل شركات روسية وتركية، وهو خط أنابيب يربط احتياطيات الغاز الهائلة في روسيا بشبكة نقل الغاز التركية.ويتشكل الجزء البحري للنظام من خطي أنابيب متوازيين يمران عبر البحر الأسود، وينطلق النظام من أنابا على الساحل الروسي، وصولًا إلى منطقة تراقيا التركية.الخط الأول مخصص للإمدادات الموجهة إلى السوق التركي، بينما سينقل الخط الثاني الغاز إلى جنوب وجنوب شرق أوروبا، ومن المتوقع أن يمتد إلى بلغاريا ثم صربيا والمجر وسلوفاكيا وبلدان أخرى.يبلغ طول النظام أكثر من 930 كليومترًا، وستصل سعة الخطين إلى 31.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا.التكلفة... بِمَ تخبرنا؟
قدرت التكلفة المبدئية بنحو 11.4 مليار يورو (12.65 مليار دولار)، لكن يعتقد أن التكلفة الفعلية كانت أعلى بنسبة 160 في المئة من الأرقام الرسمية، وفقًا لتقديرات أكبر بنك تجاري في روسيا «سبيربنك سي آي إس».بالنظر إلى التكاليف، يمكن التكهن ببساطة أن مشروعي «ترك ستريم» و»نورد ستريم» كانا مشروعين سياسيين، وليسا مجرد خطتين اقتصاديتين، ولعل أبرز الدوافع هو معاقبة موسكو لأوكرانيا.ربما لم تعد هذه المشروعات بمثابة عقاب قوي لأوكرانيا بعد توقيع اتفاق لنقل الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية، لكنها تظل أداة ضغط، كما أنها تشكل فرصة لموسكو في ظل تزايد اعتماد أوروبا على الغاز المستورد الذي يوفر ثلثي حاجتها.المستفيد والمتضرر
سيجعل المشروع تركيا مفترق طرق لمرور الغاز الطبيعي، وسيمنحها دورًا حيويًا في توفير احتياجات الطاقة الأوروبية المتزايدة وأمنها.وقد أشار وزير الطاقة التركي فاتح دونماز إلى أن بلاده تسعى لأن تكون مركزًا للطاقة، في الوقت الذي تعتمد فيه بشكل رئيسي على الواردات الروسية من الغاز.ولا يضمن المشروع موثوقية إمدادات الطاقة إلى تركيا وأوروبا فحسب، بل يسهم أيضًا في التنمية الاقتصادية لتركيا من خلال استهلاك الموارد في التنفيذ. في حين أنه يؤدي إلى تقليل إيرادات مشغلي أنظمة النقل بشكل كبير، لا سيما أوكرانيا التي تجني نحو 3 مليارات دولار سنويًا من هذا العمل، فإنه يسهل التواصل البيني مع جنوب شرق أوروبا.وإلى جانب أوكرانيا، يُعتقد أن قائمة الخاسرين (نسبيًا) ستشمل بولندا وبعض دول البلطيق، وسلوفاكيا، حيث سيتم حرمان هذه الدول جزئيًا من رسوم نقل الغاز عبر أراضيها.سبب الجدل حول المشروع
مثل مشروع «نورد ستريم 2»، تعارض الولايات المتحدة «ترك ستريم» لأنها تراه يعزز القبضة الروسية الاقتصادية والسياسية على أوروبا، ويقوض دور أوكرانيا في نقل الغاز الطبيعي.وقد وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 20 ديسمبر الماضي قرارًا بفرض عقوبات ضد المشروعين، والتي شملت تجميد أصول وإلغاء تأشيرات المقاولين لدخول الولايات المتحدة.من جانبها، أكدت روسيا أنها لن تتراجع عن أي من المشروعين، في حين تنقسم الآراء داخل الاتحاد الأوروبي، حيث يرى بعض الأعضاء أن مثل هذه المشاريع تشكل تهديدًا لأمن الطاقة.وتعد روسيا أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي، حيث شكلت 40 في المئة من وارداته خلال عام 2017، وفقًا لمكتب الإحصاءات الأوروبية.نقلت وكالة «شينخوا» الصينية عن مصادر دبلوماسية قولها أن «ترك ستريم» يؤكد على الموقع الجيوستراتيجي لتركيا كمركز للطاقة، ويربط بين طموحات أنقرة في هذا الجانب ومساعي روسيا لحماية حصتها في سوق الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي.وإلى جانب خوفها من الاعتماد المفرط على الروس، تخشى الولايات المتحدة من أن مثل هذه المشروعات ستجعل أوروبا أقل رغبة في شراء الغاز الطبيعي المسال الأكثر تكلفة من أميركا.