وسط غضب شعبي أجّجه إنكار السلطات الإيرانية المسؤولية عن الحادث، الذي تسبّب في مقتل 176 مسافرا، قبل أن تقر بارتكابه عن «طريق الخطأ» في ظل ضغوط دولية، أعلنت إيران اعتقال عدد من المشتبه في ضلوعهم بدور في إسقاط طائرة ركاب أوكرانية بصاروخ فوق طهران بعد 4 ساعات من قصف «الحرس الثوري» قاعدتين تستخدمهما القوات الأميركية في العراق ردّا على قتل واشنطن قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني.وفي حين لم تحدد طهران عدد الموقوفين، علمت «الجريدة» من مصدر مطّلع أن من بين الموقفين 5 ضباط بـ «الحرس الثوري» و3 مسؤولين من منظمة الطيران المدني، واثنين من موظفي المجلس الأعلى للأمن القومي.
وعد روحاني
ووعد الرئيس حسن روحاني بإجراء تحقيق متعمق بشأن إسقاط الطائرة الذي وصفه بأنه «خطأ لا يغتفر»، وأدلى بحديث بثه التلفزيون الرسمي أمس، وهو الأحدث في سلسلة اعتذارات من قيادة نادراً ما تقر بأخطائها.وقال روحاني: «بما أنني على دراية نسبیة بقضية الدفاع الجوي، أقول إنه لا يمكن أن يكون هناك شخص واحد فقط مقصّراً». وطالب بمعاقبة جميع الجناة.وأضاف: «ليس الشخص الذي ضغط على الزر هو المقصر فحسب، بل إن هناك آخرين، وأريد أن نتعامل مع الناس بصدق في القضیة». كما طالب الرئيس بتفسير سبب تأخر السلطات في الإعلان عن سبب الإسقاط.وحول توضيح أبعاد القضیة بالنسبة للحكومة، قال روحاني: «منذ اللحظة التي اعتقدت فيها أن الحادث لم يكن عرضياً، بذلت جهداً كبيراً لتقصير فترة التحقيق، لكي نعرف بالضبط كيف تحطمت الطائرة».ودعا روحاني السلطة القضائية إلى إنشاء «محكمة خاصة مع قاضٍ عالٍ وعشرات الخبراء» للنظر في القضية. وأشار الرئيس الإيراني إلى أن القضية «ليست عادیة، وأن العالم بأسره سيتابع المحكمة».ووصف تعاون القوات المسلحة بأنه جيد، وقال: «إنها خطوة أولى جيدة للإعلان عن خطئهم بصراحة، والاعتذار للشعب».وأغلب الذين كانوا على متن الطائرة إيرانيون أو يحملون جنسية مزدوجة.احتجاجات وتوقيف
وجاء الإعلان عن التوقيف في حين دخلت الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي أثارتها كارثة الطائرة يومها الرابع أمس.وأظهرت أحدث لقطات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي المحتجين يتجمعون في طهران ومدن أخرى ويحرقون صور سليماني.ونظم متظاهرون يتصدرهم الطلاب احتجاجات مناهضة للمؤسسة الحاكمة منذ يوم السبت تصدت الشرطة لبعضها بعنف.وفي الأيام الأخيرة ردد المتظاهرون هتافات «اغربوا عن وجوهنا يا رجال الدين!» وهتافات أخرى مناهضة لنظام الحكم. وهتف آخرون «الموت للدكتاتور»، في إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي.في السياق، قال المتحدث باسم السلطة القضائية غلام حسين إسماعيلي إن السلطات اعتقلت 30 محتجا لـ «مشاركتهم في تجمّعات غير قانونية».في شأن قريب، دعا إمام صلاة الجمعة بمدينة مشهد آية الله أحمد علم الهدى إلى طرد السفير البريطاني روب ماكير من طهران، معتبرا أنه «أفضل شيء يمكن أن يحدث له»، وإلا ربما مزّقه أنصار سليماني إربا.واحتجزت إيران السفير البريطاني لفترة وجيزة السبت، واتهمته بالمشاركة في احتجاج غير قانوني لتأبين الضحايا، في خطوة قالت لندن إنها انتهاك للأعراف الدبلوماسية.اجتماع ولوم
في غضون ذلك، اجتمع مسؤولون بمجال الطيران من إيران وأوكرانيا وكندا في طهران لمناقشة التحقيق، عشية اجتماع أوسع يعقد في لندن غداً بمشاركة ممثلين عن الدول الـ5 التي قتل رعايا لها في الحادث لمناقشة الإجراءات القانونية وسبل الحصول على تعويضات.وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الذي فقدت بلاده 57 مواطنا في الحادث، إن الضحايا كان يمكن أن يظلوا أحياء لولا تصعيد التوتر في الفترة الأخيرة في المنطقة، مشيراً إلى أن كندا لم تتلق إخطارا من واشنطن قبل قتلها سليماني.تفعيل بارد
إلى ذلك، أعلنت فرنسا وبريطانيا وألمانيا أنها فعّلت آلية فض النزاع المنصوص عليها في الاتفاق النووي مع إيران في ضوء انتهاكات طهران المستمرة للاتفاق، لكنها قالت إنها لم تنضم إلى حملة الضغوط القصوى الأميركية التي تبناها الرئيس دونالد ترامب، بعد انسحابه الأحادي من الاتفاق المبرم عام 2015 بين القوى الكبرى والجمهورية الإسلامية.وقالت الدول الثلاث في بيان: «نحن لا نقبل التذرع بأن لإيران الحق في الحد من الالتزام بالاتفاقية»، موضحة أنه لم يعُد أمامها خيار سوى تفعيل الآلية التي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى فرض عقوبات دولية منصوص عليها في قرارات سابقة للأمم المتحدة على طهران. وأردف البيان: «فعلنا ذلك بنيّة طيبة بهدف شامل هو الحفاظ على الاتفاق وبأمل مخلص في إيجاد وسيلة للسير قدماً تجاه حل الأزمة من خلال حوار دبلوماسي بناء».وجاء ذلك في وقت دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ترامب إلى استبدال اتفاق عام 2015، باتفاق جديد مع طهران لضمان عدم امتلاكها سلاحاً نووياً. وقال جونسون عن الاتفاق النووي الحالي: «إذا كنا سنتخلص منه، فلنجد بديلاً له، وليحل اتفاق ترامب محله. ذلك سيقطع شوطاً كبيراً».ضابط في «الحرس»: حكومة روحاني كشفتنا
نشرت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية، تقريرا بعنوان «التوتر بين الرئيس روحاني والحرس الثوري الإيراني يخرج إلى العلن».ويستدل التقرير على ذلك بالانتقادات التي وجهها مكتب الرئيس حسن روحاني للحرس واتهامه بخداعهم بخصوص إسقاط الطائرة الأوكرانية.ويضيف التقرير أنه «مع اليوم الثالث من التظاهرات في مختلف المدن الإيرانية بدا واضحا أن روحاني يوجّه الغضب الشعبي باتجاه أكثر أعدائه تشدداً في الحرس».ويقول إنه «في الوقت نفسه كُشف عن تسجيل مسرب لأحد قادة الحرس يشكو من أن حكومة روحاني تركتهم عرضة للغضب الشعبي بسبب إسقاط الطائرة».ويوضح أن «التسجيل نشره موقع تابع للمعارضة ويظهر فيه قائد بارز في الحرس يتحدث في غرفة مليئة بالضباط مطالبا إياهم بامتصاص الغضبة السياسية».ويكشف التسجيل «القائد قال إن الحكومة كان من الممكن أن تنتظر شهرين أو ثلاثة قبل أن تعلن الحقيقة، لتسمح للحرس الثوري بالحصول على دعم وتعاطف شعبي أكبر على خلفية اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، وما تلاه من قصف لقاعدتين في العراق»، مضيفا أن «حكومة روحاني لم تظهر أي نوع من التقدير للحرس الذي قمع تظاهرات معادية لها قبل أسابيع»، في اشارة الى انتفاضة البنزين.