بات وقف إطلاق النار، الذي دخل في ليبيا حيز التنفيذ ليل السبت - الأحد، على المحكّ، مع مغادرة قائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر موسكو عائداً إلى بنغازي من دون التوقيع على هدنة دائمة وغير مشروطة، وافق عليها خصمه رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج ورفيقه رئيس مجلس الدولة خالد المشري، لإنهاء 9 أشهر من القتال.

وفي ختام مباحثات غير مباشرة استمرت 8 ساعات عبر وزيري الخارجية والدفاع الروسيين سيرغي لافروف وسيرغي شويغو ونظيريهما التركيين مولود شاوش أوغلو وخلوصي أكار، وقّع السراج النص، لكن حفتر طلب مهلة للتفكير حتى صباح أمس، بيد أنه غادر موسكو من دون أن يقوم بذلك.

Ad

وغداة هذا الإخفاق، أعلنت وزارة الدفاع الروسية موافقة الطرفين على تمديد الهدنة دون سقف زمني محدد، مع استمرار المحادثات، مؤكدة أن حفتر كان إيجابياً في المحادثات، وأنه سيأخذ يومين في مناقشة مسودة الاتفاق.

وأكد لافروف، في خلال زيارته إلى سريلانكا، «مواصلة الجهود» مع تركيا رغم غياب «نتيجة نهائية»، مشددا على ضرورة عمل كل الأسرة الدولية من الروس والأتراك والأوروبيين والإماراتيين والجزائريين والمصريين والقطريين في اتجاه واحد لتشجيع الأطراف الليبية على التفاهم بدلاً من تصفية حساباتهما بالسلاح».

واعتبر لافروف أن «المغامرة الإجرامية لحلف شمال الأطلسي دمرت الدولة الليبية في 2011»، محذرا من أن «المتطرفين يخسرون مواقعهم في إدلب السورية، وهم ينتقلون إلى ليبيا».

مسودة الاتفاق

ونقلت وكالة «سبوتنيك» عن مصدر عسكري أن حفتر «لن يوقّع على الاتفاق لعدة أسباب، منها عدم إدراج بند ينص على تفكيك الميليشيات ووضع جدول زمني لإنهائها»، واصفاً ذلك بأنه «نقطة الخلاف وسبب عدم توقيعه».

وعزت مصادر أخرى عدم توقيع حفتر على «المسودة الروسية إلى تجاهلها عدد من مطالبه، وأبرزها سحب القوات التركية، ورفض أي دور لها في الإشراف على الهدنة على الأرض»، مشيرة إلى أنه تحفّظ عن عدم تجميد المذكرة الموقّعة بين السراج وحكومة الرئيس رجب طيب إردوغان، واشترط عدم توقيع أي اتفاقيات من دون الرجوع إليه.

وشملت مسودة الاتفاق خطوات متبادلة من أجل استقرار طرابلس ومدن أخرى في ليبيا، وتطبيع الحياة اليومية، وإتاحة توزيع المساعدة الإنسانية «بكل أمان»، ودعت الطرفين لوقف غير محدود لجميع الأعمال العدائية، مع تشكيل لجنة عسكرية لتحديد خط الاتصال بين الطرفين المتحاربين.

ووسط أنباء عن مباحثات لإرسال بعثة لمراقبة وقف إطلاق النار المرتقب في ليبيا، على غرار الموجودة في اليمن حالياً، أكّد المتحدّث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوغاريك الحاجة إلى «مراقبة محايدة من لتطبيق الهدنة واتخاذ تدابير لبناء الثقة»، مشيرا إلى أن «بعثة الأمم المتحدة بقيادة غسان سلامة «تقوم حالياً بتسجيل انتهاكات وقف إطلاق النار المبلّغ عنها والتحقّق منها».

تدخل تركي

وبعد إعلان قواته جاهزيتها لتحقيق النصر، هدد الرئيس التركي أمس «بتلقين حفتر درسا يستحقه» إذا استأنف هجماته على حكومة السراج في طرابلس، معتبرا أنه «فر هاربا من موسكو».

وقال إردوغان، في خطاب أمام نواب حزبه، «لنعلن الأمور بوضوح، لو لم تتدخل تركيا لاستولى الانقلابي حفتر على كل ليبيا ولوقع شعبها ضحية لممارساته»، مؤكدا أنه لا يمكنه «البقاء مكتوف الأيدي» حيال ما يحدث في ليبيا، وأنه سيواصل مشاركته في مؤتمر السلام المقرر عقده الأحد في برلين إلى جانب ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإيطاليا ومصر والجزائر والإمارات.

وإذ أشاد إردوغان بتبنّي حكومة طرابلس موقفا بنّاء وتصالحياً خلال محادثات موسكو، اعتبر وزير خارجيته أن عدم توقيع حفتر على وقف إطلاق النار يُظهر من يريد الحرب ومن يريد السلام، مشددا على أن تركيا فعلت ما بوسعها، وأنه إذا استمر حفتر في التصرف على هذا النحو، فإن مؤتمر برلين سيصبح بلا معنى.

مصر وإيطاليا

وبعد دعوته مع إردوغان، في مؤتمر صحافي متلفز من إسطنبول، إلى وضع حد للتصعيد والوقف الدائم لإطلاق النار، وصل رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إلى القاهرة، في زيارة لم يعلن عنها مسبقاً، وعقد أمس جلسة مباحثات مطولة ناقشت ترتيبات مؤتمر برلين مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي تلقى اتصالا من ميركل أطلعته فيه على مساعيها لبلورة مسار سياسي لتسوية القضية الليبية وتداعياتها على المنطقة.

وفي حين تمسّك السيسي بالموقف الرفض للتدخل التركي، وتغليب الحل السياسي، في إطار اتفاق شامل يتناول كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، نفت نائبة وزير الخارجية الإيطالي مارينا سيريني التفكير في سحب نحو 400 جندي منتشرين بمدينة مصراته الواقعة تحت سيطرة حكومة السراج، مؤكدة أنهم موجودون هناك ببساطة لحماية المستشفى» الميداني الإيطالي، وأن وزارة الدفاع «ستقيم ذلك حال ارتفاع المخاطر».

وإذ اعتبرت سيريني عدم توقيع حفتر على اتفاق موسكو «يؤكد تعقّد وصعوبة الوضع في ليبيا»، لفتت إلى وجود «مستجد مهم يتمثّل في أن روسيا وتركيا بجانب إيطاليا وأوروبا التزمت أيضا العمل على وقف الاحتكام إلى السلاح وقيادة الطرفين»، مؤكدة أنه «سيتعيّن على أوروبا طرح بعض التدابير الملموسة على مائدة الحوار لضمان استمرار التهدئة ومرافقة العملية السياسية».

وبعد مكالمة مع ميركل، التي دعت السراج وحفتر لمؤتمر برلين، قرر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون المشاركة في الحوار الدولي يوم الأحد من أجل «مواصلة الدفاع عن موقفه الرافض لأي وجود أو تدخّل عسكري أجنبي، وتأكيد أن الحل يجب أن يكون بين الأطراف المتنازعة»، وفق الرئاسة.