خارج السرب: المواطن «ظبي رمان»
هذا الوطن هوانا الذي صاغ هوية واحدة وغيره محض هراء، أتيناه جوعى وعطشى فأطعمنا وسقانا، وجئناه خائفين فآمننا وعائلين فأغنانا، وما بين العبدلي والنويصيب والرأس والسالمي يرسم لنا التاريخ أضلاعا من المفترض أن يسكنها قلب نابض يمثله كل مواطن يضخ دماء الحياء في جسد هوية وطنية صارخة.
لا يوجد أسوأ من هوية وطنية لعوب، تعيش في كنف وطن وفّر لها كل ما تحتاجه لتحيا بكرامة ورغد عيش، ولكنها بالمقابل تحب غيره وتهيم في هواه، هوية لعوب تلعب على حبال الود الكاذب، وتسافر على متن سفينة تحملها أخشابها ويظللها شراعها وتحميها دفتها، ولكنها تسرق الأوقات عند الأزمات لتختلس النظر إلى ذاك «الهوى» الذي يناجيها سوقه على الشاطئ البعيد والموحش، هو الشاطئ ذاته الذي لفظها يوما ورماها في دردور العوز والتشرد والإقصاء، واحتضنتها السفينة الحنون التي تجحد فضلها اليوم. هوية لها ألف وجه تخدع بها ضميرها ومصلحة وطنها، ولها وجهة واحدة لا تحيد عنها تقودها إلى مراتع الخيانة والجحود، يقال إن وطني بلد هجرات وهذا صحيح، ولكن لا هجرة بعد الاستقلال، ولا حب مستورا بعد الدستور، مواد الدستور الـ١٨٣ هي القصيدة التي تناسب قافية هويتنا، وما سواها بيوت مكسورة لحنها ضياع، وأفضال الوطن هي الجميل الذي لا يلغيه قبح ما نراه من جحود ونكران. هذا الوطن هوانا الذي صاغ هوية واحدة وغيره محض هراء، أتيناه جوعى وعطشى فأطعمنا وسقانا، وجئناه خائفين فآمننا وعائلين فأغنانا، وما بين العبدلي والنويصيب والرأس والسالمي يرسم لنا التاريخ أضلاعا من المفترض أن يسكنها قلب نابض يمثله كل مواطن يضخ دماء الحياء في جسد هوية وطنية صارخة بوجه كل هوية لعوب جاحدة تلعب دور الكومبارس في مخططات ومصالح خارجية، وترفض دور البطولة على مسرح حب الأوطان.
الوطن هو سفينتنا وسيفنا وسفور هويتنا في حضرة هواه لا احتجابها وراء هوى غيره، نريد مواطنًا كظبي رمان الذي وجده بالماضي بعض المسافرين في أرض قاحلة، فأخذوه معهم رحمة به إلى مراعٍ مجاورة، ولما مروا به في طريق عودتهم وجدوه عاد لأرضه مرة أخرى تاركًا المراعي خلفه فقال شاعرهم: «ظبي رمان برمان رابيالأرزاق بالدنيا وهو ما درى بها!». فما أجمل هوية ظبي رمان، وما أشد جحود ثعال الأوطان!