بعد لحظات من بدء تساقط الصواريخ البالستية الإيرانية على قاعدة عين الأسد الجوية، فقد الجنود الأميركيون في القاعدة اتصالهم بأعينهم المكلفة ذات الدور الحاسم في الجو: إنها الطائرات المسيّرة التي تضمن لهم التفوق في سماء العراق.

Ad

عند سقوط الدفعة الأولى من الصواريخ في 8 يناير عند الساعة 01:35 في الثامن من يناير، كانت سبع طائرات مراقبة أميركية تحلق في سماء العراق لمتابعة القواعد التي تنتشر فيها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

وتعرف من بين هذه الطائرات "النسور الرمادية" من طراز "أم كيو-1 سي"، المزودة بمعدات متطورة للمراقبة وتحمل أربعة صواريخ "هيل فاير" بإمكانها الطيران لمدة 27 ساعة متواصلة .

وقال السرجنت كوستين هرويغ (26 عاماً)، وهو أحد طياري عين الأسد لوكالة فرانس برس "توقعنا هجوماً برياً، لذلك واصلنا تحليق الطائرات".

كان هرويغ ضمن الفريق الموجه لأحد "النسور الرمادية"، عندما سقط أول صاروخ إيراني على القاعدة رداً على مقتل الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني، في الثالث من الشهر الحالي بقصف بطائرة أميركية مسيرة قرب مطار بغداد الدولي.

آنذاك، كان معظم الجنود الأميركيين في عين الأسد، وعددهم 1500 جندي، مختبئين منذ ساعتين في الملاجىء بعد تحذير مسبق من قيادتهم.

لكن بقي 14 طياراً داخل حاويات مظلمة حولت إلى مقصورات قيادة لتوجيه المسيَّرات عن بُعد، وتحليل المعلومات التي ترسلها كاميراتها عالية الدقة.

قال هرويغ خلال جولة للصحافيين نظمها التحالف الدولي داخل قاعدة عين الأسد، إن أول صاروخ أثار الغبار الذي اندفع إلى داخل تلك الحاويات، لكن الطيارين بقوا في أماكنهم.

توالت الموجات الصاروخية واحدة بعد الأخرى. وأضاف الجندي أنه لم يكن أمامه سوى "قبول المصير. اعتقدنا أساساً أننا انتهينا".

لكن الأزمة الحقيقية لم تكن قد بدأت بعد.

تواصل القصف بالصواريخ التي قال الجنود إنها استمرت تنهمر على القاعدة نحو ثلاث ساعات، وبينها ما سقط على مساكن جنود تقع على مقربة من مواقع الحاويات التي تحولت آنذاك لغرف عمليات للطيارين.

يقول السرجنت ويسلي كيلباتريك إنه "بعد مرور أقل من دقيقة على آخر ضربة، كنت أتجه إلى مستودعات تقع في الجهة الخلفية، عندها رأيت النار تشتعل في أسلاك خطوط" الاتصالات.

وتؤمن تلك الخطوط التواصل مع مقصورة قيادة الطائرة المسيرة عبر هوائيات تنقل المعلومات إلى أقمار اصطناعية تتولى إرسال إشارات إلى النسور الرمادية، كما تنقل المعلومات التي يجري عرضها على شاشات غرف العمليات في قاعدة عين الأسد.

وقال كيلباتريك إنه "عندما احترقت أسلاك الخطوط، فقدنا السيطرة"، ولم يعد بإمكان الجنود تحديد مواقع المسيّرات، ولا معرفة ما يحدث في السماء ولا ما يدور على الأرض.

وحتى في حال إسقاط طائرة مسيرة، لم يكن فريق السيطرة في عين الأسد ليعلم بذلك.

ويشير هيرويغ إلى أن "الأمر خطير، لأنها باهظة الثمن، وأجهزتها تحمل بيانات كثيرة لا نريد أن يطلع عليها آخرون أو تقع بيد العدو".

ووفقا لتقديرات موازنة الجيش الأميركي لعام 2019، تبلغ كلفة طائرة "النسر الرمادي" الواحدة حوالى سبعة ملايين دولار.

ويعتمد التحالف الدولي على هذه الطائرات منذ 2017 على الأقل، في إطار الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.

ومن المفترض على التحالف الحصول على الضوء الأخضر من الحكومة العراقية للسماح بتحليق طائراته الحربية والمسيّرة، لكن تلك الأذون كانت منتهية الصلاحية قبل وقوع الهجمات الصاروخية الإيرانية بأيام عدة.

وقال مسؤول عسكري أميركي للصحافيين، إن الجيش الأميركي يواصل الطيران المسيّر في الأجواء (العراقية) بكل الأحوال، خصوصاً بعد هجمات صاروخية متكررة استهدفت خلال الأشهر الماضية قواعد يتمركز فيها جنود أميركيون.

ومع استمرار القصف الصاروخي وانقطاع الاتصال بالطائرات المسيّرة، انتقل الطيارون إلى الملاجئ.

وبمجرد توقف الانفجارات، انطلقوا في سباق مع الزمن من أجل استعادة إشارة الاتصالات والعثور على "النسور الرمادية" وتحويلها للهبوط في القاعدة.

ومع بزوغ الفجر، اندفع جنود لاستبدال 500 متر من الأسلاك لتأمين عودة الاتصال.

افي تلك الأثناء، كان برج مراقبة حركة الطائرات خالياً، بعدما خلفت الصواريخ البالستية الإيرانية عدة حفر في قاعدة عين الأسد الجوية.

يستذكر هرويغ ذلك قائلا "كان المطار مغلقاً، وكان علينا الهبوط دون الاتصال بأي شخص! لم نكن نعرف مواقع كل طائرة، كان ذلك أمراً مرهقاً".

كانت الأولوية لاستعادة "النسور الرمادية" وكان مقرراً لها النزول في الوقت الذي بدأ فيه القصف الصاروخي، لكنها بقيت تحلق طوال الوقت وبدأ وقودها ينفد.

واصل الطيارون العمل لساعات حتى تمكنوا من إنزال طائرة بعد الأخرى، فيما كان الجنود يستردون أنفاسهم ويغتسلون، ويقيمون الأضرار.

حوالى التاسعة صباحاً، هبطت آخر طائرة مسيرة.

يقول كيلباتريك وهو يبتسم معبراً عن سعادته "أنزلنا جميع طيورنا إلى القاعدة. كان ذلك إنجازاً".