منذ ظهوره الأول في عالم الغناء استطاع الفنان محمد المسباح أن يخط لنفسه مسارا موسيقيا ميزه عن غيره من الفنانين، بموهبته الموسيقية العالية ودقته في أداء الألحان وثقافته الواسعة في الغناء المحلي والعربي.وحل المسباح، ضمن فعاليات الموسم الثقافي لمركز الشيخ جابر الأحمد، ضيفا على فعالية "موسيقى الاثنين"، ليتحدث عن التراث الموسيقي في الأعمال الجديدة، خلال لقاء ممتع استجر فيه الذكرى تلو الأخرى، وأدار الأمسية د. أحمد الصالحي أمام حضور كبير في القاعة المستديرة، جاء خصيصا ليستمتع بتجربة المسباح.
واستعرض ضيف "موسيقى الاثنين" علاقته الوثيقة بالتراث الغنائي، الكويتي والعربي بوجه عام، وتأثيره في شخصيته الموسيقية، وتطرق إلى ارتباطه بهذا التراث ونظرته الخاصة غير التقليدية إليه. وتناول تجربته الناجحة في التعامل مع التراث والأغنيات الكلاسيكية التي أعاد تقديمها بأكثر من طريقة، مثل التسجيل مع الفرقة الموسيقية الكبيرة والفرقة الموسيقية الصغيرة، وحتى التسجيل بمصاحبة آلة أو اثنتين؛ إذ تعمّد المسباح في هذه التسجيلات تقديم الجديد في كل أغنية، مع حرصه على توظيف هذا الجديد لخدمة الموروث، سواء بطريقة الغناء أو العزف الموسيقي أو التوزيع.وفي مستهل الحوار، سأل د. الصالحي المسباح عن الفترة التي سبقت طرح ألبومه الأول عام 1988، وكيف تشكلت شخصيته الفنية، ورد المسباح: "نشأتي كان لها دور كبير، إذ إنني أنتمي الى فيلكا، وهي جزيرة عدد سكانها قليل ويسودها الهدوء والألفة والمحبة بين سكانها، إضافة إلى تأثير الأسرة والأصدقاء والأجواء العامة المحيطة بنا، وهذه كلها عوامل ساهمت في بناء شخصيتي".
مرحلة السبعينيات
وأضاف المسباح: "كان غالبا على مرحلة السبعينيات من القرن الماضي الأغنيات والأناشيد الدينية التي كانت تقدم بجمل موسيقية فيها من عبق الأرض وروح التراث الكويتي، ثم دخلت علينا الأغنيات العدنية وتأثرنا بها كأولاد صغار، خصوصا مع الإيقاع الخفيف الذي كان يميزها".وتابع: "رغم ذلك كان هناك ارتباط كبير وتأثر بذائقة الوالد والأشقاء، وكان شقيقي الأكبر صالح، رحمة الله عليه، يدرس، وكان شغوفا وعازفا على آلة الكمان، وكنت أراقب كيف أن اهتمامه بالعزف على هذه الآلة مختلف تماما عما نتداوله من أغنيات السمرات والعدنيات التي غزتنا بشكل كبير، كذلك الوالد وحبه للموسيقى الشرقية. كانت الأجواء المحيطة في ذلك الوقت فنية وتأثرت بها".وتطرق إلى مرحلة الدراسة، قائلا: "في مرحلة الدراسة كان المدرسون على مستوى عال، وكنت أعزف في ذلك الوقت على الأكورديون، وكان الإعلام حينها يطغى عليه الحس الشرقي، ومتأثرا بالسينما المصرية وما تقدمه، ثم دخلت على مرحلة العزف على العود ومضيت في هذا الدرب أعزف العدنيات إلى أن استمعت إلى مدرسة جميل بشير في العزف، ولمست اختلافا عن المدرسة الشرقية والعدنيات، وبدأت أسلك ذلك الدرب".وأشاد المطرب المخضرم بدور الإعلام، وتحديدا الإذاعة، في تثقيف المجتمع، مضيفا انه "كانت هناك برامج ثرية إلى جانب شغفي باللون الشرقي والموشحات خلال هذه المرحلة من حياتي، وكان صالح شقيقي يترك أشرطته في المنزل خلال سفره للقاهرة، وكانت تضم برنامجا قيما وهو ألحان زمان، وتعلمت منها التقاسيم والارتجال الذي يثقل الموهبة أكثر، خصوصا في المقامات الموسيقية، وتكونت لدي هذه الثقافة وبدأت تطبيقها على الواقع".نقاش كبير
وعن انطلاقته الأولى في عالم الأغنية، ذكر المسباح: "المحطة العملية الأولى كانت عبر ألبوم تمون عام 1988، وكان هناك نقاش كبير في كيفية إعادة الأغنية الكويتية الخفية من خلال تمون، وهي من الإيقاع العدني ولكن بتكويت، لنخاطب من خلالها كل شرائح الجمهور الذي اعتاد سماع نمط معين، ولم أتداول فن الصوت ولكن كنت قريبا بصورة أكبر إلى الفنون الدينية، القادري البحري والقادري الرفاعي، ومارست هذه الألوان بوجودي مع أهل هذه الفنون واتقانها من عزف ومنطوق الألفاظ".واستطرد: "كانت هناك بعض الشوائب ربما لأن ثقافتي في هذه الألوان وقتها محدودة قليلا، وأيضا بسبب أسلوب الغناء الذي تأثر بالثقافة الشرقية من حيث الارتجال والتصرف والانتقال من نغمة إلى نغمة، إضافة الى فنون البحر وفن الصوت، شعرت انها جميعا تحتاج إلى صقلها وإعادة صياغتها وتنقيحها من الشوائب التي تمثلت في بعض الأخطاء، حتى ان الملحنين حفظوني التراث بجميع أنواعه، لكن كانت هناك بعض الملاحظات".الإيقاع العدني
وأكد المسباح انه حاول قدر الإمكان تقديم الأغنية الكويتية والابتعاد نوعا ما عن الإيقاع العدني، مشيرا إلى اهتمام فرقة التلفزيون بالهدف نفسه بجهود الراحلين مرزوق المرزوق وخالد الزايد والملحن غنام الديكان، مبينا أن كل شيء كان مدروسا في ظل محاولتهم الدفع بالذوق العام الى الإيقاع الكويتي حتى بالمفردة الكويتية. واستدرك: "كانت هناك سطوة كبيرة للون العدني على مستوى الكلمة واللحن، وحاولنا استرجاع المفردة الكويتية من خلال شعراء كبار مثل مبارك الحديبي وساهر يوسف ناصر، وملحنين كبار مثل يوسف المهنا وغنام الديكان وخالد الزايد وعبدالله الرميثان، وكانت هذه المجموعة تحرص على تعزيز وجود الأغنية الكويتية".وشدد على أن كل فنان يقدم عملا يضع لمسته عليه، ويضفي عليه من ثقافته، مؤكدا ضرورة أن تهتم الجهات المختصة بالتجديد وحفظ التراث.وحول إمكانية إعادة تقديم أعماله الخاصة مثل "تمون" و"مر يا حلو يا زين" بطريقة مختلفة، أوضح أن هناك من يحب أن يستمع للأغنية على العود أو مع تخت كامل، وإعادة تقديمها على تخت يتوقف على الإمكانية المادية إذا كانت تسمح بذلك.وأضاف: "في رأيي الأغنية الكويتية طموحها أكبر، ونحن نمتلك من الموروث ما نضاهي به الوطن العربي كله، بل ونصل للعالمية، خاصة في فنون البحر والخماري والأغنيات المتنوعة مثل الدينية، ويبقى أن الميزانية تتحكم فيما نقدم من نتاج إذا كانت كبيرة يتيح لنا ذلك الاستعانة بأوركسترا كامل أو نكتفي بآلة أو اثنتين".إعادة إحياء التراث وتجديده
توقف الفنان محمد المسباح عند محطة مهمة في مشواره الفني، وهي إعادة تقديم أغنية "آه يا جاسي"، قائلا: "دائما ما نربط بين البيانو والعزف الغربي والإيقاعات الغربية، وآه يا جاسي تنتمي للون السامري، وقد ذهب يوسف الدوخي، رحمة الله عليه، بالأغنية السامرية إلى اللون الشرقي بصورة أكبر".ولفت إلى ان "الدوخي وغيره عندما قدموا هذه الأعمال لم يكن الهدف تداولها في فترة محددة، في الستينيات أو الخمسينيات، وإنما هذا موروثنا ويجب أن نحرص على إعادة إحيائه وتجديده باستمرار".وتابع: "بشكل عام ما تم تناوله من هذه الأعمال في فترة الثمانينيات كان بأسلوب حديث، في ظل تطور الاستديوهات والإمكانات، والجهد في إعادة تلك الأغنيات مشترك بيني وبين المنفذ والعازفين، وأيضا كانت هناك أغنيتان لأم كلثوم قدمتهما بصورة مختلفة، هما مقطع من رق الحبيب ومقطع من لسه فاكر، ولا يمنع أن تكون التجربة من دون فكرة من خلال آلة أو اثنتين، وحققت المرحلة الاولى من هذه التجربة نجاحا كبيرا".