كيف نوقف انهيار ليبيا؟
على الولايات المتحدة أن تدعم قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي وتتعاون مع المسؤولين الليبيين وجهات متعددة الجنسيات، مثل البنك الدولي، لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي تؤجج القتال ميدانياً، ولن تتمكن من كبح انزلاق ليبيا الخطير نحو التفكك إلا إذا نظفت ساحة المعركة من عناصر التدخل الخارجي.
في أبريل 2019، أطلق خليفة حفتر، قائد الميليشيا التي تسيطر على معظم مناطق شرق ليبيا، هجوماً على العاصمة الليبية طرابلس، في محاولةٍ منه لإسقاط حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، لكن بدل تحقيق انتصار سريع وحاسم لتكريس حفتر كقائد وحيد لليبيا، وصلت تلك العملية إلى طريق مسدود، فتكاتفت الميليشيات في أنحاء غرب ليبيا لطرد حفتر، مما دفع قواته تدريجاً للعودة إلى ضواحي العاصمة الجنوبية، وخلال الأشهر الستة اللاحقة، استمر القتال بهذه الوتيرة واستُعمِلت خلاله ضربات جوية بطائرات بلا طيار ووابل من المدفعيات وقذائف الهاون، مما أدى إلى نشوء أزمة إنسانية من دون تفوق واضح لأي طرف على الآخر.ثم وصل مئات المرتزقة الروس في شهر سبتمبر لدعم حفتر وحوّلوا زخم ساحة المعركة باتجاهه، ومنذ عام 2015، بدأت موسكو تُكثّف التزامها تدريجياً بشؤون ليبيا، حيث ترصد فرصاً اقتصادية وتتطلع إلى توسيع نفوذها على حساب القوى الغربية. حتى إنها تُزوّد قوات حفتر اليوم بصواريخ مضادة للدبابات ومدفعية موجّهة بالليزر وتدعمها بمقاتلين شبه عسكريين من "مجموعة فاغنر"، وهي منظمة عسكرية غامضة تتولى فض عروض الكرملين في لائحة متزايدة من بلدان إفريقيا والشرق الأوسط. استناداً إلى الخبرة التكتيكية الروسية، بدأت قوات حفتر تحقق مكاسب ميدانية بطيئة في العاصمة وتدفع الحرب نحو مرحلة جديدة وأكثر خطورة.في السنوات الثماني التي تلت تدخل حلف الناتو ومشاركته في إسقاط الدكتاتور معمر القذافي، زاد التدخل الخارجي في ليبيا، بالإضافة إلى روسيا، قدّمت الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية وحتى فرنسا الدعم لحفتر، فوفرت له هذه البلدان خليطاً من المساعدات المادية والدبلوماسية والعسكرية. في غضون ذلك، أرسلت تركيا أسلحة إلى حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها رسمياً الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى. عملياً، تجنبت الولايات المتحدة تطبيق سياسة واضحة في ليبيا ودعمت هجوم حفتر على طرابلس ضمناً.
أدى تدفق المقاتلين الروس فجأةً إلى إعادة تركيز انتباه واشنطن على الصراع الليبي الذي تم تجاهله طويلاً، لكنه لم يطلق تحولاً بارزاً في السياسات المتّبعة حتى الآن. هذا الوضع يجب أن يتغير. صحيح أن حفتر يطرح نفسه كقوة لتجديد استقرار البلد أمام داعميه والولايات المتحدة، لكنّ أي انتصار لقواته في طرابلس لن يؤدي إلا لإطلاق جولة جديدة من الصراعات. تعهد هذا القائد بسحق الإسلاميين وأي شكل من المعارضة السياسية، وسيؤدي تقدمه إلى نشوء حركة تمرد واسعة مؤلفة من جماعات مسلحة وبلدات تعارض رؤيته الاستبدادية.ثمة حاجة ماسّة إلى تقوية الدبلوماسية الأميركية في ليبيا لكبح حملة حفتر المدمّرة وإنقاذ المصداقية الأميركية في منطقة باتت متعددة الأقطاب ولا تكف عن تحدي الغرب. على الولايات المتحدة أن تقوي التزامها مع بلدان التدخل الأخرى، بناءً على خليط من الدبلوماسية الخاصة والرقابة العامة، كذلك يجب أن تدعم قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي وتتعاون مع المسؤولين الليبيين وجهات متعددة الجنسيات، مثل البنك الدولي، لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي تؤجج القتال ميدانياً. لن تتمكن الولايات المتحدة من كبح انزلاق ليبيا الخطير نحو التفكك إلا إذا نظفت ساحة المعركة من عناصر التدخل الخارجي، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وتركيا وروسيا، ووفرت الظروف اللازمة لتعافي البلد اقتصادياً.*جليل هرشاوي