يبدو أن الاستدامة المالية في طريقها إلى مزيد من الاختلال
سياسات الاستدامة الاقتصادية - تنويع مصادر الدخل- المعلن عنها في كل خطط التنمية وفي كل بيانات الحكومة، لم يتحقق منها شيء.
أفاد تقرير «الشال» بأن الإدارة المركزية للإحصاء نشرت أرقام الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة للربع الثالث من عام 2019، وتكمن أهمية قراءة تلك الأرقام في بعدين، الأول متابعة تطورها، بمعنى نموها أي توسع الاقتصاد أو انكماشه، والثاني قراءة التطور ضمن مكونات ذلك الناتج لرؤية مناحي القوة أو الضعف فيها، ولعل الأهم، متابعة أثر السياسات العامة في إصلاح اختلالات الاقتصاد الهيكلية.تلك الأرقام بالأسعار الثابتة - النمو الحقيقي- تقدر بأن نمواً موجباً بحدود 0.4 في المئة تحقق ما بين الربع الثالث لعام 2018، ونظيره لعام 2019، بينما ما تحقق كان نمواً سالباً وبحدود - 0.7 في المئة ما بين الربعين الثاني والثالث من عام 2019 بسبب انكماش القطاعات غير النفطية بنحو - 0.9 في المئة وانكماش القطاع النفطي بنحو - 0.6 في المئة.والنمو الموجب ما بين الربع الثالث لعام 2018 ونظيره لعام 2019، جاء في معظمه من تفوق نمو القطاعات غير النفطية التي حققت توسعاً بنحو 7.8 في المئة، بينما انخفض معدل النمو العام إلى 0.4 في المئة كما ذكرنا بسبب سلبية أداء قطاع النفط في ذلك النمو والذي حقق انكماشاً بنحو - 5.3 في المئة.
ما لا يبدو صحياً، هو أن سياسات الاستدامة الاقتصادية - تنويع مصادر الدخل- المعلن عنها في كل خطط التنمية وفي كل بيانات الحكومة، لم يتحقق منها شيء، والواقع أن الخلل الهيكلـي الإنتاجـي، ومؤشره هيمنة قطاع النفط على مكونات الناتج المحلي الإجمالي، مستمر كما لاحظنا من أثره الطاغي في الأرقام المنشورة حديثاً. فمساهمة قطاع النفط بالأسعار الثابتة مازالت أعلى من نصف حجم الناتج المحلي الإجمالي، إذ كانت بحدود 56.2 في المئة في الربع الثالث من عام 2018، وأصبحت 53.0 في المئة في الربع الثالث من عام 2019، أي أن مساهمة كل القطاعات الأخرى في الربع الثالث من عام 2019 بلغت 47.0 في المئة، وهي مساهمة غير مستدامة وإنما مدعومة بشدة من قطاع النفط وتقلب مساهمتها مرتبط فقط بأسعار وإنتاج النفط وليس بتطور صناعاته. وثاني أعلى مساهمة في مكونات الناتج المحلي الإجمالي كانت الإدارة العامة والدفاع والضمان الاجتماعي وبحدود 11.1 في المئة، ولا علاقة للقطاع بأي نهج تنموي. ومع مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2020/2021 الذي نشرت أرقامه الإجمالية الأسبوع الفائت وهو ما سنعرض له في فقرة لاحقة، يبدو أن الاستدامة المالية، الخلل الهيكلي الآخر، في طريقها إلى مزيد من الاختلال أي عمق فجوتها.