في مشهد هو الأعنف منذ انطلاق انتفاضة "17 تشرين" في لبنان، اشتعل ليل بيروت، أمس الأول، إثر مواجهات بين مجموعات من المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب، استمرّت حتى ساعات متأخّرة من الليل، استخدمت فيها القنابل المسيّلة للدموع والرصاص المطّاطي وخراطيم المياه لتفرقة المتظاهرين.وأسفرت المواجهات عن سقوط نحو 400 جريح، بين متظاهرين وعناصر للقوى الأمنية، في حصيلة جُمعت بين فرق الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني. كما أسفرت عن اعتقالات لعدد كبير من المحتجين في محيط وسط بيروت وساحتي الشهداء والنجمة.
ولم تخلُ معركة، أمس الأول، من الاتهامات حول المسؤولية في افتعال ما جرى، وانتشرت تسجيلات صوتية على وسائل التواصل الاجتماعي تتهم الوزير السابق اللواء أشرف ريفي بالوقوف وراء أعمال الشغب بالتنسيق مع المخابرات التركية.كما انتشرت تسجيلات أخرى تتهم تيار "المستقبل" بتمويل الحافلات التي نقلت المتظاهرين من الشمال والبقاع الغربي، إلا أن التيار نفى في بيان "هذه الأخبار الملفقة ويضعها في سياق الحملات المشبوهة لتعكير السلم الأهلي".
عون يزور «الحلو»
وزار قائد الجيش العماد جوزيف عون ثكنة "الحلو"، صباح أمس، وكان في استقباله المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، في زيارة جرى في خلالها الاطلاع على الإجراءات العملية والتدابير الميدانية التي تتبعها قوى الأمن الداخلي أثناء التظاهرات والاحتجاجات وأعمال الشغب. وأشاد قائد الجيش بالجاهزية "لدى قيادة قوى الأمن الداخلي والاحترافية في القيادة والسيطرة، ونوّه بأعمال جميع الأجهزة العسكرية والأمنية، خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد".وتم تداول تسجيل فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر تعرّض موقوفين للضرب خلال خروجهم من آلية لسوق السجناء في ثكنة "الحلو" من قبل عناصر قوى الأمن الداخلي. وأعلنت قوى الأمن الداخلي "فتح تحقيق في الحادث"، مضيفة أنه "سيتم توقيف أي عنصر اعتدى على الموقوفين".إصابات الأمن
ونشرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، على حسابها عبر موقع "تويتر"، أمس، الحصيلة النهائية لأعمال الشغب والتعديات على عناصر قوى الأمن، وجاءت على الشكل التالي: "142 عنصراً من قوى الأمن الداخلي ضمنهم 7 ضباط، منها 3 إصابات بليغة (كسور في الجمجمة)".الحريري
سياسيا، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في سلسلة تغريدات على حسابه عبر "تويتر" أمس: "خفنا على بيروت البارحة، لكنها لملمت كعادتها جراح أبنائها من قوى الأمن والمتظاهرين ومسحت عن وجهها آثار الغضب والشغب ودخان الحرائق. نسأل الله أن يمن على كل المصابين بالشفاء والسلامة، وأن يجنب بلدنا خطر الوقوع في الفتن".وأضاف: "هناك طريق لتهدئة العاصفة الشعبية. توقفوا عن هدر الوقت وشكلوا الحكومة وافتحوا الباب للحلول السياسية والاقتصادية. بقاء الجيش والقوى الأمنية والمتظاهرين في حالة مواجهة... دوران في المشكلة وليس حلاً. وختم: "كلمة إلى أهلي في طرابلس والشمال، يعز عليّ أن يقال انه تم استقدام شبان باسمكم لأعمال العنف أمس. لكنني أعلم أن كرامة بيروت أمانة رفيق الحريري عندكم وأنتم خط الدفاع عن سلامتها وضمير التحركات الشعبية ووجهها الطيب. احذروا رفاق السوء وراقبوا ما يقوله الشامتون بتخريب العاصمة".المشنوق
كما شدد النائب نهاد المشنوق، أمس، على "ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة وتشكيل حكومة تكنوقراط، وإلا سيجد صهر الرئاسة (وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل) الدماء على يديه".وقال: "الحديث مؤجّل عمّن أقرّ عرف الثلث المعطّل، المخالف للاستقرار الوطني. وها هو التيار نفسه الآن لا يعترف بالشعب ولا بمطالبه، ويعتبر ما حصل عليه سابقاً هو حقّ مكتسب له. هذا الزمن انتهى في الشارع، وفي بعبدا، ولن تكون هناك حكومة كسابقاتها في السراي".بداية الشغب
وكانت مسيرات قد انطلقت من نقاط عدة في بيروت تحت عنوان "لن ندفع الثمن، بعد ظهر أمس، احتجاجاً على تأخير تشكيل الحكومة. وحاول المتظاهرون اختراق السياج الأمني والعوائق الحديدية للوصول إلى مجلس النواب، قبل أن تمنعهم القوى الأمنية التي أقفلت مدخلاً مؤدياً إلى مقر المجلس بالعوائق الحديدية، مما دفع المحتجين إلى مهاجمة درع بشري من قوات مكافحة الشغب. وأقدموا على رشق قوات الأمن بالحجارة ومستوعبات الزهور. كما عمد عدد منهم إلى اقتلاع أشجار فتيّة وإشارات السير من الشارع ومهاجمة عناصر الأمن بها. ومع اشتداد التوتر انتقلت المواجهات إلى ساحة الشهداء قرب مبنى صحيفة "النهار"، وامتدت إلى منطقة الصيفي، في حين أعادت قوى الأمن الداخلي انتشارها، وأقامت جداراً بشرياً لعزل المتظاهرين، ورافق ذلك وصول تعزيزات من الجيش اللبناني الذي نفّذ انتشاراً في المنطقة.