من الجميل أن يتساءل الناس ما إنجازات مؤسسة الكويت للتقدم العلمي؟ وماذا أنجز معهد الكويت للأبحاث العلمية؟ فهذا من حقهم ولا ضير في ذلك، بل العكس سيكون هذا فرصة لإبراز هذه الإنجازات ودافعًا للمزيد من العمل والإنجاز وتصحيح الأخطاء، وعلى هاتين المؤسستين واجب إبراز إنجازاتهما الكثيرة من خلال التواصل الفعال مع المجتمع، وإن النقد البناء محمود ومرحب به وتمارسه المؤسسة، وكذلك المعهد ذاتيا عبر المراجعة الدورية لاستراتيجيتها وخططها السنوية، وعبر مجالس الإدارة أو الأمناء. أتمنى أن يتسع النقاش ليشمل الأسئلة الأهم: "هل لدينا استراتيجية وسياسة وطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار واضحة العناصر والمعالم؟ وهل المبلغ الضئيل الذي ننفقه على البحث العلمي والتطوير الذي يبلغ كنسبة من إجمالي الناتج المحلي 0.08% (ثمانية بالألف) وهي الأقل بين دول الخليج، في حين تنفق كوريا الجنوبية ما نسبته نحو 5%، واليابان 3.2% وما يزيد على 2% لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كاف لبناء منظومة العلوم والبحث والابتكار والتطوير لتلبي احتياجات تنمية اقتصاد مستدام مبني على المعرفة كما جاء في رؤية 2035؟ وما مساهمة مخرجات نظام التعليم الجامعي في تزويد منظومة البحث والتطوير بالموارد البشرية؟ هل الدولة تهتم وتحاول الاستفادة من نتائج الأبحاث في اتخاذ القرار؟ لماذا لا توجد لدينا مبرات تدعم البحث العلمي؟ أخيراً هل يُعطى العلماء حقهم من الاحترام والمكانة في مجتمعنا؟
وحتما لا يخلو النقاش حول الأبحاث العلمية في الكويت من ذكر الدكتور عدنان أحمد شهاب الدين المدير العام لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، والمدير العام الأسبق لمعهد الكويت الأبحاث العلمية، ونائب المدير العام الأسبق في جامعة الكويت للشؤون العلمية، لما لدوره من أهمية في إرساء قواعد منظومة البحث العلمي في الكويت. التقيت به أول مرة عام 1977 في بداية مسيرتي العلمية والعملية في معهد الكويت للأبحاث العلمية، كان للتو قد تسلم إدارة المعهد الذي لم يمض على إنشائه عقد من الزمان، وفي حاجة إلى الكثير من الموارد البشرية والتنظيم الإداري واللوائح والسياسات والاستراتيجيات والمختبرات، واستطاع الدكتور عدنان نقل المعهد إلى مرحلة نوعية جديدة وبناء صرح علمي متميز، وساعده في ذلك الدعم اللامتناهي من المغفور له الشيخ جابر الأحمد والمرحوم الأستاذ عبدالعزيز حسين وزير الدولة آنذاك، وإيمانهم بأهمية البحث العلمي، فاستطاع أن يكوّن فريقاً إدارياً متجانساً، وأن يستقطب عدداً من خيرة إخواننا العلماء العرب المتميزين في بلاد المهجر الذين كان لهم دور كبير مع العدد القليل من أبناء الكويت الموجودين آنذاك في تطوير المعهد، وتدريبنا، نحن الكويتيين، حيث أصبح المعهد الأول من نوعه في المنطقة، ونموذجا لمراكز الأبحاث العلمية في دولها. كان د. عدنان ومازال صاحب نظرة ثاقبة ورؤية عميقة، ففي ذلك الوقت بدأ المعهد بأبحاث مصادر الطاقة الشمسية والمتجددة، قبل ما نشاهده من زخم في استخداماتها الآن، كما ركز على البرامج البحثية في مجالات المياه والأمن الغذائي والطاقة والبيئة والبترول والاقتصاد، وحرص على تدريب الكوادر الوطنية، وإرسالهم للحصول على الشهادات العليا، حيث استفاد أكثر من 500 من العاملين في المعهد من برنامج البعثات، حصل منهم نحو 190 باحثاً على الدكتوراه، ويزخر المعهد حاليا بالعديد من الكفاءات البحثية الوطنية. ترك الدكتور عدنان المعهد في عام 1986 لغيره ليكملوا المسيرة، وذهب لتبوء عدد من المناصب القيادية في اليونسكو ومنظمة الدول المصدرة للنفط، ومنظمة الطاقة الذرية في الخارج، ثم عاد ليتسلم قيادة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ليضيف على ما بناه من سبقه في إدارة المؤسسة في عام 2011، وبالفعل استطاع أن ينقل المؤسسة نقلة نوعية خلال السنوات التسع الماضية، فأصبحت تؤدي دوراً أكبر ومهماً نحو تحقيق أهدافها في نشر "الثقافة العلمية" وتعزيز دور العلوم والتكنولوجيا والابتكار، من خلال أنشطتها المختلفة ومراكزها، وآخرها أكاديمية التقدم العلمي، حيث يستفيد من برامج المؤسسة شرائح المجتمع كافة، ولم تعد قاصرة على العاملين في مجال البحث العلمي. ربما لا يعرف الكثير أنه كان مخططا للدكتور عدنان أن يترك دفة قيادة المؤسسة قبل 3 سنوات لأخيه المرحوم الدكتور أحمد بشارة، الذي شاء القدر أن يغيبه قبل ذلك الموعد، فتحمل مشكوراً الاستمرار في منصبه خلال الفترة الحالية. ليس هناك أدنى شك لمتابعي منظومة العلوم والتكنولوجيا والابتكار في مساهمات الدكتور عدنان هذه الشخصية الكويتية الوطنية العربية في إرساء قواعد النهضة العلمية في الكويت، مثلما ساهم والده المرحوم أحمد شهاب الدين في إرساء قواعد التعليم المنتظم، حين قدم إلى الكويت من فلسطين في الثلاثينيات من القرن الماضي، وبالإضافة إلى إسهاماته المحلية يعتبر الدكتور عدنان خير سفير للنهضة العلمية في الكويت من خلال مشاركاته العديدة في المحافل والمؤتمرات واللجان العلمية العالمية التي دائما يكون إضافة نوعية لها. أتمنى أن تقوم الدولة بتكريمه مثلما كرمته جامعة كاليفورنيا بيركلي التي نال منها شهادة الدكتوراه في هندسة الذرة حين منحته جائزة (هاس) الدولية المرموقة، والتي تمنح لخريجيها ممن أسسوا سجل خدمات لبلدانهم في مجالات الفنون والعلوم والهندسة والتعليم والأعمال وحماية البيئة وغيرها من المجالات، شكراً جزيلا "بوأحمد".
مقالات
الدكتور عدنان شهاب الدين والبحث العلمي
21-01-2020