تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وأوروبا بعد 2020
أدت الضربة الأميركية التي استهدفت القائد الإيراني قاسم سليماني إلى نشوء تصدّع جديد مع الحلفاء الأوروبيين، وتبلغ العلاقات العابرة للأطلسي اليوم أدنى مستوياتها. بدءاً من إيران والتجارة مع الصين وصولاً إلى التغير المناخي، يسود خلاف واضح على جانبَي الأطلسي، باختصار أصبح الغرب منقسماً!يلوم الكثيرون في أوروبا الرئيس ترامب على هذا الوضع، ولا شك أن إدارته تتحمل جزءاً من المسؤولية، لكنّ التوتر العابر للأطلسي يتجاوز بأشواط أداء الرئيس الأميركي الخامس والأربعين، ومن دون خطوات تصحيحية، سيزيد التباعد بين الولايات المتحدة وأوروبا خلال العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، بغض النظر عن هوية الرئيس في المكتب البيضاوي.يظن عدد كبير من الأوروبيين أن خلافاتهم مع واشنطن ستتلاشى عند رحيل ترامب من السلطة، قد يخفف أي رئيس جديد التوتر السائد حتماً، من خلال تجديد الالتزام الأميركي بحلف الناتو، وتقاسم المخاوف الأوروبية حول التغير المناخي أو روسيا، والتعامل مع هذه المواضيع في الأوساط الخاصة بدل "تويتر" عند نشوء الخلافات، لكن بعد فترة أولية واعدة، من المتوقع أن يشعر الأوروبيون مجدداً بخيبة أمل، حين يكتشفون أن معظم خلافاتهم مع الولايات المتحدة لا تزال قائمة وتعكس تباعداً قديماً بين المصالح الأميركية والأوروبية. هناك خمس مسائل تحديداً تفرق بين الطرفَين خلال هذا العقد، بغض النظر عن هوية الرئيس الأميركي:
أولاً، اشتدّ التوتر بسبب الإنفاق على الدفاع: بما أن الأوروبيون يتكلون على الغطاء الأمني الأميركي، من المتوقع أن يبقى إنفاقهم أقل من المستوى الذي تطالب به واشنطن، إذ لم يبدأ الاستياء الأميركي بسبب تراجع الإنفاق الأوروبي على الدفاع خلال عهد ترامب وسيدوم بعد رحيله، وقد يتصاعد التوتر إذا قرر أي رئيس مستقبلي تخفيض الإنفاق الأميركي ومطالبة الأوروبيين بسدّ الفجوة، كذلك لن تخفّ الاضطرابات التجارية بالضرورة مع وصول رئيس جديد.ثانياً، زاد التوتر بين الطرفَين بسبب الصين: تزامناً مع تشدد مواقف الجمهوريين والديمقراطيين ضد بكين، يتردد الأوروبيون في الاختيار بين علاقاتهم الأمنية مع الولايات المتحدة وعلاقاتهم التجارية والاستثمارية المتوسّعة مع الصين، مما يزيد استياء واشنطن.ثالثاً، من المتوقع أن يتراجع الاهتمام الأميركي بأوروبا خلال هذا العقد: كان ذلك الاهتمام نتاج هيمنة الحرب الباردة على السياسة الخارجية الأميركية، لأن الحرب الباردة الجديدة تتعلق بالصين، كما يقول الكثيرون، وبالتالي، ستُركّز السياسة الخارجية الأميركية مستقبلاً على منطقة المحيط الهادئ لا الأطلسي. رابعاً، ستتراجع قدرة الولايات المتحدة على حراسة العالم في ظل تنامي نفوذ القوى الأخرى: وقد تصبح تحركاتها مقيّدة نتيجة استياء الرأي العام الأميركي، ورداً على ذلك سيبدأ الأوروبيون بالبحث عن المساعدة في أماكن أخرى، منها روسيا والصين، كما يفعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون راهناً.أخيراً، اعتاد الأوروبيون على معارضة الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية بطريقةٍ لم يتصورها أحد خلال العهود الرئاسية السابقة، سواء في الملف الإيراني أو التغير المناخي: وحتى لو جدّد الرئيس المقبل التزام بلده بشؤون الاتحاد الأوروبي، يدرك الأوروبيون الآن أن أي رئيس أميركي مستقبلي يستطيع العودة إلى مقاربات ترامب في أي لحظة، وسيتصرفون على هذا الأساس.يمكن تجنب تدهور العلاقات رغم كل شيء، لكن يجب أن يجدد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وعودهما أولاً.اقتصادياً، قد يسهم اتفاق تجاري جديد في إبعاد أوروبا عن الصين، وتمكين الفريقَين من وضع معايير عالمية مشتركة و"قواعد طريق" دولية جديدة. سياسياً، يجب أن يلتزم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمقاربات موحّدة للتعامل مع إيران وروسيا والصين وسورية ومواجهة تحديات أخرى. عسكرياً، يجب أن يجدد كل طرف التزامه بالناتو ويعيد تعريف الحلف كمنتدى سياسي بدل حصره في الإطار العسكري. لكن للأسف، لا تبدو معظم هذه الخطوات ممكنة في الوقت الراهن، وإلى أن يتغير الوضع على الأوروبيين أن يقتنعوا بأن الاضطرابات العابرة للأطلسي لن تختفي بشكلٍ سحري بعد رحيل ترامب، ومن دون اتخاذ الإجراءات اللازمة، قد تتوسع الخلافات بدل أن تتلاشى خلال العقد المقبل، بغض النظر عن نتيجة الاستحقاق الانتخابي في نوفمبر.* ديفيد واينراي* «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»