متى «ييت» من العراق؟
غضب وسخط نجم عبدالكريم على إهانة أصابته في أحد الدواوين، حين سأله أحد رواده "متى جئت من العراق؟" مبرر، ويثير حالة قرف إنساني عند كل شخص يرفض غطرسة التعالي، ويتصور أنه أفضل من غيره من البشر، بسبب صدفة أنه حمل الجنسية "المقدسة" في وقت أبكر من غيره، أو بسبب دينه أو عرقه أو طبقته، أو بسبب أي وهم وكذب على النفس معشش في ذات المتوهم، غرس في روحه المريضة أنه أفضل من هذا أو ذاك.أظهر الفنان والكاتب نجم عبدالكريم حزنه الكبير على ممارسة هذا التحقير لذاته في لقاء معه ببرنامج الصندوق الأسود، لا يمكن لوم نجم وغير نجم عندما يعير ويلاحق بصدفة مكان ميلاده، ربما الذي سأل نجم عن أصله لم يكن يقصد الإساءة لنجم، لعله أراد أن "يتغشمر" (يداعب) نجم، وهي غشمرة ثقيلة دم تثير الشفقة على صاحبها، ولكنها في الوقت ذاته هي تعبير عفوي لحالة نرجسية ليست مقصورة على من قالها، بل تتمدد للكثيرين في بقعة كبيرة بأرض "أنا الخليجي" حين غرست صدفة اكتشاف النفط وما لحقها من ثراء مفاجئ جراثيم النرجسية في نفوس الكثيرين الذين لم يصدقوا حالهم، وكيف أتت ثرواتهم دون عمل منتج وجدي، بل هبطت عشوائياً، كعشوائية إدارة هذه الدولة.
الكاتب كريستوفر لاش، في كتابه "الثقافة النرجسية والحياة الأميركية في عصر تضاؤل الآمال"، يعرف النرجسي بأنه يمثل حالة من الاعتماد المرضي على الآخرين، وهو يحيا بوهم الامتلاء بالقوة المتعالية، فهو يعتمد على الآخر لينفخ في ذاته، الأنا "ego" عنده متضخمة وتخلق عنده خيالاً مرضياً بأفضليته على غيره، دون النظر في ظروف هذا الغير، وكيف حصلت وتطورت بصدفة المكان والتاريخ.هنا بدول بني نفط (الآفل عصره قريباً) نشهد حالات كثيرة لهذه النرجسية، هي نرجسية طبقية في كثير من الأحيان حين نرى الآخرين الأقل حظاً مالياً أو اجتماعياً، كالخدم والعمال، أنهم مجرد آلات كرست لخدمتنا، وقد تمتد حالة "التنزيل" الاجتماعي (إنزال الآخرين) لكل من لا يحمل الجنسية المقدسة، البدون، مثلاً عند المجموعة "إياها" مجرد كائنات طفيلية مسخية تريد الاستفادة من الكعكة الكويتية، التي تخصنا "نحن الأنا" وحدنا. الآخرون (أيضا عند المجموعة إياها) الذين تجنسوا في وقت لاحق مثل البعض أو الكثير من أبناء القبائل، يهددون هويتنا وذاكرتنا الاجتماعية، وحصولهم على الجنسية موضع شك، فلابد من تذكيرهم بهذا، وتهديدهم بأن هذه الجنسية يمكن سحبها واعتبار أصحابها عدماً، غير موجودين، هل تذكرون مقولة مازن الجراح أيام سحب الجناسي "عليهم أن يبلعوا العافية".لنعد لنجم الساخط، فهو لم يسأل عن مساهمته القديمة في دنيا الفنون، لم يسألوه عن كم الفرح والبهجة التي أدخلها نجم في قلوبنا أيام زمان، حين لم تكن هناك التلفزيونات الملونة وعروض الأفلام، وبرامج الشوز الكثيرة. كان نجم نجماً يتلألأ في سماء الضحك والفرح الصافية بتلك الأيام، لم يسألوه عن كل هذا،،، سألوه متى "ييت" من العراق...؟ وليتهم كانوا مدركين ماذا يكون العراق وتاريخ العراق؟!