محاولة العزل تؤذي ترامب... لكنّ إيران تؤذي الديمقراطيين أكثر!
يبدو أن مقولة «عدو عدوي صديقي" قد تكلّف المرشحين الديمقراطيين للرئاسة الأميركية ثمناً باهظاً، إذ يُعتبر انتقادهم التلقائي والعدائي للضربة الأميركية ضد القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني خير مثال على ذلك، فكان الهجوم الديمقراطي يتماشى ظاهرياً مع توجهات الرأي العام، لكنه يبدو الآن كارثياً.من المعروف أن الناخبين الديمقراطيين يكرهون دونالد ترامب، حيث كانت نِسَب تأييده في هذا المعسكر ضئيلة (أقل من 10 في المئة) منذ أول تعثّر له بعد تنصيبه، ووفق أحدث استطلاع أجرته مجلة "إيكونوميست"، تقتصر نسبة تأييد ترامب في أوساط الديمقراطيين على 7 في المئة، أي أقل من أي شخص أو طرف آخر في الاستطلاع... باستثناء إيران! يُجمِع الأميركيون على كره الجمهورية الإسلامية، ويكشف استطلاع من تنظيم "بوليتيكو" و"مورنينغ كونسالت" أن 4 في المئة من الأميركيين فقط يعتبرون إيران دولة "صديقة" أو "حليفة"، وتنطبق هذه النسبة على الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين، وتُعتبر إيران عدوّة مباشرة بنظر 69 في المئة من الأميركيين (78 في المئة من الجمهوريين، 65 في المئة من الديمقراطيين، 64 في المئة من المستقلين)، وفي استطلاع مجلة "إيكونوميست"، اعتبرها 7 في المئة دولة "صديقة أو حليفة"، و73 في المئة "دولة غير صديقة أو عدوّة"، مع اختلافات ضئيلة بين الحزبَين السياسيَين.قد نَعْذر المرشحين الديمقراطيين لأنهم يصوّرون الجمهوريين وكأنهم يركّزون على الموضوع الوحيد الأقل شعبية من ترامب، لو كانت تحركات الرئيس تطرح مشكلة طويلة الأمد، لكن رغم تراجع تأييد الضربة التي أودت بحياة سليماني في المرحلة الأولى، فإن هذه الخطوة لا تعكس المشكلة الحقيقية التي تتداولها وسائل الإعلام. هكذا كان الوضع حتى قبل أن يعترف الإيرانيون بإسقاط طائرة مدنية.
قبل خبر سقوط رحلة الخطوط الجوية الأوكرانية 752، أيّد الرأي العام الضربة ضد سليماني بنسبة 47 في المئة مقابل اعتراض 40 في المئة، واشتق الفرق طبعاً من انقسام الديمقراطيين المعارضين لترامب (70 في المئة) والجمهوريين المؤيدين له (85 في المئة). أما الأطراف المستقلة، فبلغت فيها نسبة مؤيّدي الضربة 40 في المئة مقابل 36 في المئة من المعارضين، لكن شعر نصف الرأي العام بأنه بات "أقل أماناً"، بما في ذلك أغلبية المستقلين، وارتفعت هذه النسبة نتيجة توسّع التوقعات بنشوء حرب مع إيران، وهو رأي يتقاسمه معظم الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين (69 في المئة).أمام زيادة مخاطر الحرب المتوقعة والإجماع على معارضة أي صراعات أخرى (61 في المئة) وتوسّع الانطباع القائل إن الولايات المتحدة متورطة في صراعات مفرطة (69 في المئة)، يتّضح لنا أن معارضة الضربة الأخيرة والمخاوف بشأنها ترتبط في معظمها بتوقع تصعيد الوضع ورفض أي تطور مماثل.لكن ماذا سيحصل للرأي العام إذا توقفت جميع التحركات الخارجية؟ تبيّن أن إيران تخشى ترامب وتصرفاته غير المتوقعة بقدر المرشحين الديمقراطيين، لذا من المنتظر أن يعود الرأي العام إلى نمطه المألوف الذي يتماشى مع معارضة الديمقراطيين لترامب أو دعم الجمهوريين أو تأييد المستقلين طالما تبقى النتائج مُرضِية.لكن سبق أن تضرر المرشحون الديمقراطيون للرئاسة، فهم يعارضون خطوات ترامب تلقائياً وقد زادوا عدائية حين نُشِرت النتائج الأولية للاستطلاعات الأخيرة، وبعدما هدأت هذه الهستيريا الآن (كان توقع اندلاع حرب عالمية ثالثة وشيكة شكلاً من الهستيريا طبعاً)، أصبح الديمقراطيون مضطرين للتعامل مع تداعيات إدانة ترامب أكثر من النظام الإيراني القمعي والمكروه. وحده نائب الرئيس السابق جو بايدن أدان إيران بلهجة قوية، ولا عجب في أن يتفوق بايدن على خصومه في مجال الأمن القومي: عبّر 32 في المئة من الناخبين الديمقراطيين عن ثقتهم ببايدن، مقابل 20 في المئة للسيناتور بيرني ساندرز (مرشح مستقل عن ولاية فيرمونت). تأتي بعدهما السيناتورة إليزابيث وارن (مرشحة ديمقراطية عن ولاية ماساتشوستس) بنسبة 11 في المئة. تجدر الإشارة إلى أن إدارة ترامب تأثرت سلباً حين اضطرت للانغماس في جدلٍ حول صحة اعتبار سليماني "تهديداً وشيكاً" على القوى الأميركية، فعملياً تثبت الوثائق بكل وضوح مسؤولية سليماني المباشرة عن مقتل مئات الأميركيين، ولا تشير أي أدلة إلى أنه كان ينوي وقف تلك الأعمال، ويُفترض أن تكون هذه المعطيات كافية لتبرير الهجوم الاستباقي القاتل.تثبت الأزمة الإيرانية بدورها أن أداء الديمقراطيين يعطي ترامب حبل نجاة ويعيد تعويمه بنظر الرأي العام، ولا شك أن ترامب تضرر من محاولة عزله، فمنذ أن بدأ مجلس النواب تحقيقاته، تغيرت المواقف من أكثرية معارِضة إلى أكثرية داعمة لإجراءات العزل، ومع ذلك يأخذ الرأي العام مسائل أكثر أهمية بالاعتبار، وكان قرار نانسي بيلوسي (ديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا) بالمماطلة عبر حجب مواد العزل خطأً فادحاً. وبسبب سوء تعامل الديمقراطيين مع مقتل سليماني ومحاولة عزل الرئيس، من المتوقع أن يصمد ترامب سياسياً. في ما يخص سليماني، كانت معارضة الرأي العام ترتبط بخوفه من توسّع الصراع، لذا سيكون فشل محاولات العزل الراهنة كفيلاً بتحسين وضع ترامب وانهيار مصداقية الديمقراطيين، وعندما يبرّئ مجلس الشيوخ ترامب، سيتساءل الناخبون المستقلون عن مغزى هذه العملية كلها، ستكون هذه النتيجة السيئة خيبة أمل أخرى للديمقراطيين.مع ذلك، يواجه ترامب مخاطر أخرى، فقد تردّ إيران على هجومه بقوة أو يبالغ ترامب في تقدير أهميته على مر إجراءات عزله، ومن الواضح أن الرئيس وخصومه الديمقراطيين المتفائلين يبرعون في إيذاء أنفسهم بأسوأ طريقة، لكن يمكن القول إن ترامب هو الفائز في الأسابيع الأولى من شهر يناير.* كيث نوتون* «ذا هيل»