القيادة الإيرانية تتحمل مسؤولية مشاكل البلاد
علينا أن ندرك أن الولايات المتحدة لم تسبب أي حدث سيئ في إيران طوال الأربعين عاماً الماضية، وعلينا أن نشير الى أن الإسلاميين هم السبب وراء إيصال إيران الى وضعها الحالي، والأكثر أهمية أن الشعب الإيراني وحده فقط يستطيع علاج هذه الحال المحزنة في ذلك البلد.
تحدثت روايات كثيرة غير صحيحة عن دور الولايات المتحدة في أحداث إيران منذ الثورة الإسلامية في عام 1979. وكما صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمة له خلال إحدى حملاته الانتخابية، فإن "الصرخة الجميلة التي تدعو الى القضاء على أميركا توحّد شعبنا"، (وللتذكير فقط أقول إن روحاني يفترض أنه من المعتدلين). وفي حقيقة الأمر، كان العداء لأميركا وللسامية من الركائز الأساسية لسياسة إيران، في حين تعتقد الجماهير التي تدعو الى تحميل أميركا اللوم بالمقام الأول وفي شتى أنحاء العالم أن واشنطن جلبت خطر إيران على نفسها، لكن أميركا ليست مسؤولة بأي شكل عن راديكالية النظام في إيران.دعونا نعمل أولاً على تقسيم الأحداث التي أفضت الى وصول النظام الإسلامي في إيران عبر أحداث شهر أغسطس من عام 1953 عندما بدأت المؤامرة الإنكليزية– الأميركية لإطاحة رئيس الوزراء الايراني محمد مصدق.
وفي أغلب الأحيان يعمد نقاد السياسة الخارجية الأميركية نحو إيران الى دمج هذين الحدثين، واستخدام دور واشنطن في انقلاب عام 1953 لتبرير استفزازات النظام الإيراني منذ عام 1979.وكانت إيران في عام 1953 – كما هي اليوم – بؤرة لقلاقل سياسية، وقد عمد البريطانيون والسوفيات الى تقسيم ذلك البلد بينهم خلال الحرب العالمية الثانية، عندما سرت شائعات عن تعاطف شاه إيران مع النازيين، وقد أرغم البريطانيون والسوفيات شاه ايران على التنحي وتسليم السلطة الى ابنه الأكبر رضا بهلوي، ومعروف أن إيران كانت ملكية دستورية، وقام الشاه في عام 1951 بتعيين محمد مصدق رئيساً للوزراء، وهو من أعداء الملكية والإمبريالية، وسبق للبرلمان أن رشحه لهذا المنصب.
ساحة الفوضى في 1953
بعد الحرب العالمية الثانية، انسحب السوفيات من إيران وبقيت فيها الإمبراطورية البريطانية فقط، وكانت بريطانيا الشريك التجاري الرئيس لإيران، ومن خلال شركة النفط الأنغلو- بريطانية (بريتيش بتروليوم اليوم) طورت بريطانيا وتمتعت بمعظم ثمار النفط والغاز الطبيعي في إيران.ولم يتقبل مصدق هذه الترتيبات والحصيلة التي أفرزتها عندئذ، وكان يريد أن تحصل إيران على حصة أكبر في عمليات استخراج الطاقة من قبل الشركة البريطانية، لكن بريطانيا رفضت طلبه، وقررت قطع العلاقات التجارية مع إيران.وقبل مرور وقت طويل تعرّضت إيران لعزلة اقتصادية ودبلوماسية، وقد ألحق ذلك الضرر بالاقتصاد الإيراني الى حد كبير، وتسبّب في حالة من عدم الاستقرار السياسي في ذلك البلد، ومع تفاقم الاضطرابات السياسية، سعى شاه إيران الى إزاحة مصدق واستعادة العلاقات الجيدة مع الدول الغربية، وفي غضون ذلك، بدأ مصدق بتعزيز اعتماده على حزب "توده" المؤيد للنظام السوفياتي، وكلما ازداد تحسّن علاقات علاقات مصدق مع ذلك الحزب ازداد قلق الولايات المتحدة، وتمكنت الإدارة الأميركية في ذلك الوقت بصورة ناجحة من احتواء الاتحاد السوفياتي. وتجدر الإشارة الى أنه لو وصل نظام مؤيد للسوفيات الى الحكم في ايران فإن موسكو كانت ستتمكن من كسر الحصار الأميركي والوصول الى واحد من أكبر مواقع النفط والغاز الطبيعي في العالم، إضافة الى موانئ المياه الدافئة لسفنها وبوارجها.وبدأت الولايات المتحدة بالتعاون مع الحكومة البريطانية العمل لإزاحة مصدق، وعلى الرغم من ذلك، وكما أوضح داريوش باياندور في كتابه حول هذا الموضوع في عام 2010، فإن المؤامرة الأنغلو– أميركية لإطاحة مصدق لم تكن السبب وراء سقوطه، وفي حقيقة الأمر، فإن عملية الاستخبارات الأميركية كانت الى حد كبير ضد حركة مصدق، كما كانت العملية الأنغلو– أميركية واحدة من عدة محاولات قامت بها أحزاب متعددة في داخل ايران لإطاحة مصدق.وإضافة الى ذلك، فإن طبقة رجال الدين في إيران– التي أسست في نهاية المطاف الجمهورية الإسلامية في عام 1979 والتي تشنّ اليوم حرباً باردة محدودة ضد الولايات المتحدة وحلفائها– كانت معارضة لمصدق مثل معارضة الولايات المتحدة وبريطانيا له. وكان آية الله سيد حسين بوروجردي– وهو أحد معلّمي الخميني– المرشد الأعلى للشيعة في إيران، وكان يقول لأتباعه دائما "إن البلاد في حاجة الى الملك"، لكنه على الرغم من ذلك كان يمثّل الحرس القديم، ولم يتشاطر أتباعه الذين أسسوا الجمهورية الإسلامية في عام 1979 نظرته التقليدية هذه.دور الطليعة الشابة
المعروف أن الطليعة الشابة من الإسلاميين كانت تكره الشاه، لأنه كان يمثّل تاريخ ايران البعيد عن الإيمان– كما يقال عنه– والأكثر من ذلك، كانت علاقات الشاه الوثيقة مع دول الغرب تعني أنه صلة الوصل للنفوذ المسيحي والصهيوني.وعلى أي حال، لم يكن موقف مصدق أفضل – وفق الثوريين الاسلاميين في إيران – وفي المحصلة النهائية كانت علاقات مصدق الوثيقة مع حزب "توده" تعني أن استمراره في الحكم سيدفع إيران بشكل حتمي الى أحضان موسكو. وسوف يؤدي ذلك بدوره الى كارثة بالنسبة الى الإسلاميين، لأن الشيوعية السوفياتية كانت الشيء الوحيد الأكثر سوءاً من الديمقراطية الغربية. وإضافة الى ذلك، أيد مصدق وحزب "توده" حق المرأة في إيران، وهو ما يرفضه الإسلاميون هناك (وكانت حقوق المرأة في إيران بنهاية المطاف أحد الدوافع وراء الثورة الإسلامية في 1979).ديماغوجية الإسلاميين في إيران
المعروف أن الاسلاميين اختاروا بصورة عامة النأي عن انقلاب عام 1953، ولكن البعض منهم شارك في ذلك الانقلاب من أجل مساعدة المتآمرين البريطانيين والأميركيين على إطاحة مصدق.والسؤال اليوم هو: لماذا يستمر نقاد الإجراء الأميركي في المجادلة بأن الولايات المتحدة لو لم تنخرط في الشؤون الداخلية الإيرانية في عام 1953 لما شهدنا عداوة بين واشنطن وطهران في الوقت الراهن؟ ثم إن رجال الدين الذين أطاحوا شاه إيران في عام 1979 لم يتصرفوا كما فعلوا من أجل الانتقام لإطاحة مصدق في عام 1953، والأكثر من ذلك، أن الجمهورية الاسلامية اليوم لا تنخرط في عمليات الإرهاب الدولية والخطر النووي مع الغرب بسبب دور الولايات المتحدة المساعد بقضية مصدق في عام 1953. ويتصرف النظام الايراني على هذا النحو، بسبب تقيّده بعقيدة عنف متأصل وسعي نحو التوسع، ومثل هذا النظام لن يعمد الى تسوية بسيطة مع الغرب، وسيعمل على تنفيذ تهديداته "بازالة إسرائيل"، وهكذا عندما يوجه قادة إيران اللوم الى الولايات المتحدة بسبب تصرفاتهم المريبة، علينا أن نعلم أن الاسلاميين في ذلك البلد هم من الديماغوجيين، ويتعين عدم النظر بجدية اليهم.ومع استمرار نزول الشعب الإيراني الى الشوارع للاحتجاج على سياسة النظام، يتعين علينا أن ندرك أن الولايات المتحدة لم تسبب أي حدث سيئ في إيران طوال الأربعين عاماً الماضية، وأخيرا، نشير الى أن الإسلاميين هم السبب وراء إيصال إيران الى وضعها الحالي، والأكثر أهمية أن الشعب الإيراني وحده فقط يستطيع علاج هذه الحال المحزنة في ذلك البلد.*براندون ويتشيرت
إيران في عام 1953 كانت بؤرة لقلاقل سياسية فعمد البريطانيون والسوفيات إلى تقسيم ذلك البلد بينهما خلال الحرب العالمية الثانية
بعد الحرب العالمية الثانية انسحب السوفيات من إيران وبقيت فيها الإمبراطورية البريطانية فقط وكانت بريطانيا الشريك التجاري الرئيس لإيران
بعد الحرب العالمية الثانية انسحب السوفيات من إيران وبقيت فيها الإمبراطورية البريطانية فقط وكانت بريطانيا الشريك التجاري الرئيس لإيران