ينظر المستثمرون الذين يركزون على الفيروس الغامض «كورونا الجديد» المسبب للالتهاب الرئوي، والذي ظهر في الصين، إلى ذكرى الماضي، عندما تفشى فيروس سارس، لتقييم مدى الضرر الذي قد يلحق بالاقتصاد والأسواق هذه المرة.

ومات حتى أمس الأول 17 شخصا، وأصيب المئات بالفيروس الجديد، الذي تقول السلطات الصينية إنه ينتشر بين الناس في المقام الأول من خلال الجهاز التنفسي، كما ظهرت حالات في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وتايلند.

Ad

ويخشى المستثمرون العالميون من تحول المرض إلى وباء يشل حركة النقل والتسوق واجتماعات الأعمال ويؤثر على النمو الاقتصادي، خاصة أن التوقيت حرج، إذ يتزامن انتشار المرض مع دخول الصين واحدة من أكثر فترات السفر ازدحاما قبيل عطلة العام القمري الجديد.

ولعل ذلك يفسر، لم كانت شركات التجزئة الفاخرة ووكالات السفر والفنادق من بين الأكثر تضررا هذا الأسبوع، وعلى العكس، استفادت أسهم صناع الأدوية ومنتجي أقنعة الوجه في الصين، بسبب توقعات زيادة الطلب على منتجاتها.

الذعر يضعف الثقة

- خلال تعاملات أمس الأول، استقرت الأسهم الصينية إلى حد ما، وشعر المستثمرون براحة نسبية إزاء استجابة الحكومة للوضع، ومع ذلك، كان القلق مسيطرا حول كيفية التعامل مع الموقف بشكله الراهن، وعلق محللون: لسنا أطباء، لكن هناك حالة سلبية قد تثير ذعرا.

- الحالات السابقة، مثل المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة «سارس» التي تفشت بين عامي 2002 و2003، وإنفلونزا «إتش 1 إن 1» عام 2009، و»إيبولا» عام 2014، تشير إلى أن الأسواق قد تتراجع على المدى القصير بفعل تزايد التقلبات، لكنها ترتد سريعًا نسبيًا، مع استفادة بعض الأسهم.

- أسفر انتشار فيروس «سارس» عن وفاة 774 حالة في جميع أنحاء العالم من نوفمبر 2002 حتى يوليو 2003، وكانت معظم حالات الوفاة في الصين وهونغ كونغ، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، ومثل هذا السيناريو قد يكون له تداعيات اقتصادية خطيرة.

- خلال ذلك الوقت، تباطأ نمو الاقتصاد الصيني، ودخلت هونغ كونغ في حالة ركود، وعانت مؤشرات الأسهم في كلا السوقين انخفاضا حادا (بنسبة تفوق عشرة في المئة) قبل الارتداد في وقت لاحق مع احتواء المرض.

- يقول كبير مسؤولي الاستثمار في شركة «بليكلي أدفيسوري غروب» للاستشارات «بيتر بوكفار»: كانت المنطقة كلها في حالة من الذعر الكبير، الذي أدى إلى تراجع الثقة، وأثر على الاقتصاد.

هبوط يعقبه ارتداد

- يقول محللو مصرف «غولدمان ساكس»، إن تداولات الأسواق بعد تفشي الوباء، ترتبط بشكل كبير بعدد الحالات التي يتم الإبلاغ عنها يوميا، وتتراجع بشدة تزامنا مع تسارع وتيرة تسجيل الإصابات الجديدة، وتصل إلى القاع بمجرد تباطؤ هذا المعدل.

- عوضت الأسواق الثلاثة، الصيني والأميركي وهونغ كونغ، جميع خسائرها بحلول الوقت الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية القضاء على تفشي «سارس»، علما بأن الأسواق في أوائل 2003 كانت لاتزال تعاني آثار انفجار فقاعة «دوت كوم» والأزمة المالية الآسيوية.

- خلال العام الماضي، ارتفعت أسواق الولايات المتحدة والصين وهونغ كونغ بشكل كبير، وبدأت العام الجديد مع المزيد من المكاسب، وهذا يجعل الأسواق مستعدة لمثل هذه الأنواع من الصدمات، بحسب محللين.

- الأسهم الخاسرة في الأسواق الثلاثة هذا الأسبوع، تؤكد أهمية المستهلكين الصينيين للاقتصاد العالمي، خاصة أن السنة القمرية الجديدة تعد موسم السفر الأكثر ازدحاما وأكبر مناسبة للهجرة البشرية سنويا على مستوى العالم.

- بالنسبة لحالات تفشي الأمراض الأخرى، بما في ذلك إنفلونزا الطيور والخنازير، والإيبولا، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وزيكا، فكان تأثيرها على الأسواق أقل من سارس، وبحسب «كابيتال إيكونوميكس»، نادرا ما كانت هناك حالات وباء مؤثرة بشكل ملحوظ في الأسواق المالية العالمية.

التداعيات لن تشمل أسواق المال فقط

- الشفافية في التعامل مع مثل هذه الأحداث مهمة جدا، وإذا تطور الأمر إلى تعطيل الرحلات الجوية وانتشار مناطق الحجر الصحي بغزارة، فقد يهدد ذلك التجارة الآسيوية بشكل خطير، وبطبيعة الحال سيضع الاقتصاد العالمي في مشكلة.

- على سبيل المثال، وباء سارس قتل مئات الأشخاص، وهو معدل منخفض كثيرا عن عشرات الآلاف الذين يموتون بسبب موسم الإنفلونزا العادية في أميركا، ومع ذلك، سجلت الاقتصادات الآسيوية آنذاك خسائر بنحو 40 مليار دولار.

- مقارنة بعام 2003، تمتلك آسيا اليوم سوق سياحة وحركة تنقل أكبر بكثير، إضافة إلى العديد من المطارات الحديثة، وبعبارة أخرى، فهي أكثر عرضة للخطر إذا تكرر هذا السيناريو، إضافة إلى أن العولمة الاقتصادية تواجه بالفعل مخاطرها الخاصة وليست بحاجة لوباء يزيد أعباءها.

- يرى مراقبون أن الوباء قد لا يصبح خطيرا لدرجة كبيرة، لأن مستويات التغذية الجيدة والرعاية الصحية أفضل بكثير مما كانت عليها في العصور السابقة، وهو في الحقيقة تصور متفائل جدا.

- خلال الفترة بين عامي 1918 و1919، انتشر شكل قاتل جدا من أشكال الإنفلونزا في الولايات المتحدة، وتسبب في مقتل مئات الآلاف من الأميركيين، رغم أن معظم السكان كانوا في حالة صحية جيدة، وعلاوة على ذلك، هناك مدن كبرى اليوم، مثل لاغوس وكراتشي، تبدو مهيأة لتفشي العدوى أكثر من السابق.