رموز لا تقبل التشويه
نتفق مع علماء الجمال على أنه لا يمكن أن يكون هناك إبداع في عمل فني (لوحة- تمثال) إن لم يكن فيه جديد ومثير وباعث على التفكير ولافت إلى ناحية من نواحي الحياة، نتعامل معها دون أن يضعنا المبدع أمامها وجها لوجه بصورة لم نألفها أو لنقل لم نلتفت إليها من قبل. ويتفق النقاد أيضا على أن العناصر التي هي من أدوات المبدع المعينة على تحقيق رؤيته وفكرته يجب ألا تكون مستغلة بشكل مهين لها بكثرة ترددها، إن لم تكن موجودة في كل مرة بصورة جديدة، ولها أثر مخالف لما سبق وإن كانت أحد عناصره. وكما نقيس قطعة أدبية بما فيها من بلاغة وتناسق في العبارات وتوازن الجمل وكنايات واستعارات ترقى بها فإن هذا المقياس يسري أيضا على الفن الجميل، من رسم ونحت وزخرفة، وكذلك فن الجرافيك الذي ازدهر مع اقتحام البرامج التكنولوجية التي سيطرت على كثير من وسائل الإبداع، وتكاد تحل محلها، لولا أن الضرورة تحتم حتى الآن بقاء الإنسان المبدع في أعلى القيادة والسيطرة على توجهاتها الإبداعية بكل ما تحتوي من مساحات وبراعة في التنفيذ. على مر الزمن استفاد الفنان التشكيلي وسخر كل ما وقعت عليه عيناه فرسمه في لوحة، أو جسده في قطعة نحتية فاستحضر لنا الجمال الكامن في الطبيعة، وكذلك الكامن في النفس البشرية، وصور لنا الحيوان والجماد، وأصبغ عليه لمسة الجمال التي ترتاح لها العين كلما رأتها، وساعد الفنان في نقل كل الجمال في الخارج إلى داخل البيت واستقر به في لوحة على جداره أو في قطعة نحتية على قاعدة رخامية في ركن من أركانه. ما نود لفت النظر إليه فيما يجري في الحركة التشكيلية هو ذلك الاستسهال إن لم يكن (الاستخفاف) ببعض الرموز التراثية والتاريخية في بلد ما، ولا نريد أن نخصص لأن الحالة تتردد في أكثر من بلد عربي، وكثرة استخدامها في عدة صور وطروحات لا ننكر أن بعضها كان موفقا في مكانه، ولكن كثرة استخدامها ترك في نفس المتذوق شعورا بأننا لا نملك سواها، وبات يستشعر نوعا من التسول في استرضاء العامة أو التقرب من أصحاب القرار لمنافع مادية انعكست على قيمة هذه الرموز التي يصل بعضها إلى التقديس، ومن غير المسموح الاستخفاف بقيمتها بل يجب أن يكون استخدامها بصورة تليق بقيمتها التي تقدسها كل شرائح المجتمع، وهو أمر لا شك سيرقى بالفنان والعمل الفني الذي تحتل فيه مكانتها الصحيحة. ومن المؤكد أن الإصرار على طرح هذه الرموز الموروثة وبعضها من حضارات مؤثرة في التاريخ بهذا التكرار (الفج) قد أضر بقيمتها، وبعض الذين تعاملوا معها أصابوها في مقتل وتشويه بجهالة مرة، وتحت مسميات ابتدعوها على أنها رؤية خاصة مرة أخرى!! هذه النقطة بالذات لا يمكن أن تكون سليمة ولا صحيحة لأن بعضها يتحكم فيه الهوى والرغبة، ومن ناحية أخرى هو هروب من مواجهة جوهر الرموز الغني والثري الذي يمكن أن يرتقي بالفن والفنان لو أحسن استخدامه وتوظيفه.
* كاتب فلسطيني - كندا