التساهل في «الاستدانة» يضعنا في مصيدة القروض
الضغوط من جانب الإيرادات يقابلها انعدام مرونة النفقات العامة
قال التقرير الأسبوعي لشركة الشال للاستشارات إن وزيرة المالية قدمت عرضاً لملامح مشروع الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة 2020/2021، أهم فرضياته انخفاض الإنتاج المستهدف للنفط من 2.8 مليون برميل يومياً إلى 2.7 مليون برميل يومياً، أي بنحو 3.6 في المئة، متزامناً مع ارتفاع تكاليف إنتاجه بنحو 8.8 في المئة أو من نحو 3.42 مليارات دينار إلى نحو 3.72 مليارات. ذلك يعني أنه عند افتراض سعر لبرميل النفط الكويتي بحدود 55 دولاراً، فسوف تبلغ تكاليف إنتاجه نحو 20 في المئة من قيمة النفط المصدر، والمرجح استمرار ارتفاعها واستمرار الضغوط إلى الأدنى على حجم الإنتاج وعلى الأسعار. وبين "الشال" أن تلك الضغوط على جانب الإيرادات يقابلها ضغوط وانعدام مرونة النفقات العامة، فالرقم المقدر للإنفاق البالغ 22.5 مليار دينار ظل ثابتاً، رغم كل الوعود بخفض النفقات، و71 في المئة ضمنه رواتب وأجور ودعوم. ما يتبقى وهو بحدود 29 في المئة ويمثل الحد الأدنى المطلوب في ظروف الكويت الاقتصادية ليذهب كله للتكوين الرأسمالي الحقيقي، وتحديداً من أجل خلق فرص عمل جديدة لنحو 450 ألف مواطن قادمين إلى سوق العمل حتى 2035؛ يوزع ما بين المستلزمات الأخرى ضمن الإنفاق الجاري ومشروعات إنشائية لا علاقة لمعظمها بأي أهداف تنموية. والواقع أن ما تبقى لا يكفي للارتقاء بخدمات ضرورية هامة مثل التعليم والصحة والسكن، ولا يكفي لصيانة المشروعات الضخمة والرديئة التي تم بناؤها مثل مستشفيات معطلة للافتقار إلى أجهزة بشرية ومادية، ولا البنى التحتية الأخرى مثل الطرق والجسور غير المرتبط إنشاؤها بخلق الوظائف أو أي من الأهداف المعلنة للتنمية.
وفي التقديرات الإجمالية، انخفضت الإيرادات العامة بنحو 6.5 في المئة، بينما ظلت النفقات العامة عند نفس مستواها كما ذكرنا، وعليه ارتفعت تقديرات العجز المالي قبل اقتطاع 10 في المئة لمصلحة احتياطي الأجيال القادمة بنحو 15.3 في المئة أو إلى 7.7 مليارات دينار من مستوى تقديرات الموازنة الحالية البالغ 6.7 مليارات. وبينما البديل الذي يتطلبه مشروع الاستدامة المالية هو في تنويع وزيادة مصادر الإيرادات، يقدر مشروع الموازنة القادم انخفاض الإيرادات غير النفطية بنحو 3.8 في المئة، متزامناً مع الحجم الكبير وغير المستدام للنفقات العامة التي تنحدر في فاعليتها ومرونتها. وأشار "الشال" إلى ان الأرقام ليست مهمة، فالعجز الافتراضي قد يرتفع أو ينخفض وفقاً لمعدل سعر النفط الفعلي، ووفقاً لصرف أعلى أو أقل من المقدر عند صدور الحساب الختامي، المهم هو استمرار نفس النهج الخطر وغير المستدام. وخلافاً لكل المعلن عن نوايا الإصلاح الاقتصادي والمالي وإصلاح ميزان العمالة، يعمل كل من السياسة الاقتصادية والسياسة المالية على مزيد من تقويض استدامة كل ما تقدم، فالخلل الإنتاجي يتأصل بهمينة قطاع النفط، والخلل المالي يتأصل بهيمنة إيرادات النفط، والاثنان عاجزان عن الاستدامة بما يهدد ميزان العمالة بولوج الكويت مرحلة غير محتملة من البطالة السافرة. والأخطر هي تلك الدعوة إلى التساهل مع الحكومة من أجل إصدار قانون الاستدانة حتى يضاف إلى كل ما تقدم من أمراض، مرض مصيدة القروض. ويبدو أن الحكومة الجديدة تسير على نهج الحكومات السابقة؛ وعودُ إصلاح ومسار معاكس على أرض الواقع، ولا يفترض أن تبدأ حكومة جديدة عملها برصيد أداء سالب، فالمسؤولية بقدر السلطة، وهي المهيمنة على مصالح البلد، وهي من يتحمل مسؤولية ذلك الضياع.
الحكومة الجديدة تسير على نهج سابقاتها... وعود إصلاح ومسار معاكس