أفاد «الشال» بإن مشروع موازنة 2020/2021 دار حوله جدل واسع وصحي، ومعظم ذلك الجدل يمكن اختصاره لو كانت الإدارة العامة واعية للتعامل معه من منظور استدامة الدولة ووفق أسس علم المالية العامة وبأساسه العلمي، ولا بأس من استعارة مثالين من أرض الواقع.

ووفق التقرير، فإن العجز المالي في علم المالية العامة محسوم في تعريفه، فالإيرادات التي تمول نفقاتها لابد أن تأتي من نشاط اقتصادي مستدام، ووفقاً لهذا التعريف، معظم إيرادات النفط تأتي من بيع أو استبدال أصل زائل، إما باستهلاكه أي نفاده، أو بالتقادم العلمي أي انخفاض أهميته، والنفط يخضع لضغوط من الاتجاهين.

Ad

ذلك التعريف الذي يقدم ديمومة الدولة على ديمومة إدارتها، هو ما تبنته النروج، فالإدارة العامة هناك، -حكومة ومجلساً نيابياً- لا تسمح سوى باستخدام 4 في المئة فقط من إيرادات النفط لتمويل المالية العامة، وعند الضرورة فقط، أولاً بيع النفط مجرد استبدال أصل وليس إيراد، وثانياً كي لا تصيبها أمراض «لعنة الموارد» وتقوض تنافسية اقتصادها كما أصابت هولندا قبلها.

المثال الآخر النقيض الذي تبنى ديمومة الإدارة بإستهلاك موارد الدولة هو فنزويلا، المالكة لأكبر احتياطي نفطي تقليدي في العالم وبأكثر من 300 مليار برميل، وهي الآن بحكم الدولة الفاشلة.

ولو أخذت الكويت، وهو ما ذكرناه مراراً، بمبادئ علم المالية العامة لتبدل تبويب ميزانيتها، حينها يصبح المصدر الرئيسي لتمويل نفقاتها العامة هو دخل الأصل البديل للنفط، أي دخل صندوقها السيادي الذي يفترض أن تتغير وظيفته من هدف غير معلوم إلى معدل عائد يحقق أكبر قدر من التوازن المالي.

حينها لابد من ضبط النفقات بوقف هدرها وفسادها إذا كان محتماً على مجلس الوزراء أن يلتزم بنسبة تغطية عالية لها من دخل الاستثمارات المتجدد أو المستدام.

بعدها لابد من نظام ضريبي على الدخول العالية والأرباح وإن بدأ مخففاً ليمثل مصدراًِ ثانياً للتمويل، وأهميته تكمن في صعوبة تمرير الهدر والفساد إذا كان من حصيلة إيراد ضريبي.

ثم يأتي توجيه الدعم لمستحقيه، أي ان الدعم قد يزيد لمصلحة من يحتاجه فعلاً، بينما لا يفترض أن يذهب الدعم لأصحاب الدخول العالية، لأنه ببساطة يصبح ضريبة سالبة وعكسية وغير مستحقة.

ما يعجز الإيراد عن تغطيته من نفقات الموازنة العامة يمكن تغطيته بجزء من إيرادات النفط، على أن تكون مساهمة تنخفض بمرور الزمن، ومعلنة نسب انخفاضها مع الالتزام بكامل مراحلها، لأن في الوطن حشد من شابات وشبان سوف يواجهون بطالة سافرة وضخمة ما لم نضمن لهم الاستدامة المالية. ولأن النفط يتعرض لضغوط ضخمة لأسباب التقادم العلمي والقلق البيئي.

ويكفي أن نذكر بأن برميله يباع بنحو نصف أسعار عام 2013 من دون احتساب أثر التضخم، لذلك لن ينقذ مالية البلد وعمالتها سوى تخفيف مبرمج في الاعتماد عليه.

وبالعودة إلى تعريف كل من «صندوق النقد الدولي» ووكالات التصنيف الائتماني، وخلاصتها بانتفاء تحقيق الكويت لعجز مالي، تلك خلاصات صحيحة من وجهة نظرهم، وخاطئة من وجهة نظرنا ومن وجهة نظر علم المالية العامة، فهم غير معنيين بما يحدث للكويت إلى أبعد من الزمن القصير.

فجمهورهم مختلف، ويقتصر على من يرغب في التعامل مع الكويت، وليس الكويت نفسها، والعيب في إدارتنا العامة هو في عجزها عن صياغة رؤى تضمن الاستقرار الاقتصادي والمالي من أجل ديمومة الدولة.