الخطر على الأبواب فلنتوحد في التصدي له
ليس مصادفة أن يترافق إعلان نتنياهو وغانتس نواياهما ضم الأغوار والمستعمرات الاستيطانية، مع دعوة كليهما إلى واشنطن لبحث صفقة القرن مع إدارة ترامب، في ظل اتضاح استحالة قدرة أي منهما على تشكيل حكومة بعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة. وهناك أساس قوي للاعتقاد بأن ترامب يحاول إنقاذ شريكه نتنياهو بالضغط لتشكيل حكومة وحدة وطنية بينه وبين غانتس، بهدف تمرير صفقة القرن التي كما صار واضحا ليست سوى خطة لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية، ولنسف إمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، ولتشريع الضم والتهويد والاستيطان ليس للقدس فقط، بل لمعظم أراضي الضفة الغربية، ولفرض نظام الأبارتهايد والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين، والعمل على تمرير التطبيع مع المحيط العربي على حساب القضية الفلسطينية. وفي الواقع فقد ثبت قطعا أن "صفقة القرن" ليست سوى خطة إسرائيلية صاغها نتنياهو لتقدم بلباس أميركي زائف، لا يجوز التعامل باستخفاف مع الإعلان المرتقب لصفقة القرن، أو مع تصريحات نتنياهو وغانتس ونفتالي بينيت وليبرمان وحركة شاس، حول تبنيهم ضم منطقة الأغوار وشمالي البحر الميت إلى إسرائيل، أو مخططهم لفرض القانون والسيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي يبلغ عددها مئتين وستين مستوطنة وبؤرةو، لا يجوز كذلك اعتبار هذه التصريحات مجرد أدوات في التنافس الانتخابي، وإن كان عنصر المزايدة العنصرية بين الأحزاب الصهيونية قائماً فعلا.
الحقيقة أن تكرار هذه التصريحات وما تتضمنه صفقة القرن يمثل تحولا نوعيا خطيرا في الأهداف المعلنة للحركة الصهيونية، بعد أن كانت كامنة، وانتقالا بهذه الأهداف إلى التطبيق الفعلي، وما تؤكده هذه التصريحات أولا، أن نتنياهو وغانتس ومعسكريهما يمثلان وجهان لعملة واحدة من التطرف العنصري اليميني، وأن هناك توافقا صهيونيا بين كل الأحزاب الصهيونية، وتناغما كاملا بينها وبين صفقة القرن، على أن وقت ضم الضفة الغربية وتهويدها قد حل رسميا، لاستكمال ما نفذه المشروع الصهيوني في أراضي 1948 من قبل. وما تعنيه هذه التصريحات ثانياً أن هذه الأحزاب الصهيونية تتشارك مع فريق ترامب في مؤامرة مشتركة عنوانها صفقة القرن لتدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة وتصفية مكونات القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.الأمر الثالث الذي تثبته هذه التصريحات، أن الأحزاب الصهيونية متفقة على تكريس نظام الأبارتهايد ضد الفلسطينيين للتعامل مع معضلة الوجود الديمغرافي الفلسطيني. الأغوار ليست مجرد جزء من الضفة الغربية بل تمثل 29% من مساحة الضفة الغربية، وهي جزء من مناطق "ج" التي يريدون ضمها والتي تمثل 62% من الضفة، وتضم الأغوار حوض المياه الشرقي وحجمه 170 مليون متر مكعب من المياه، وهو من أكبر مصادر المياه في الضفة. وضم الأغوار يعني إنهاء أي تواصل حدودي للفلسطينيين وحشرهم في غيتوهات ومعازل معدومة السيادة، وهو ما تنص عليه صفقة القرن عندما تؤكد السيطرة الأمنية الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة، وضم الأغوار إلى جانب فرض القانون الإسرائيلي في المستوطنات يعني الانطلاق في عملية ضم وتهويد الضفة الغربية بكاملها، وتكرار ما نفذته الحكومة الإسرائيلية أيام النكبة في أراضي 1948.الذي يجري ليس مجرد تصعيد عنصري جديد، وليس مجرد خطوات استعمارية استيطانية أخرى، الذي يجري فصل الختام في التحول نحو قتل ما سمي "حل الدولتين"، وتشييع رسمي لجثمان اتفاق أوسلو وملحقاته، وتنفيذ لما بيتته الحركة الصهيونية لسنوات، وتجرأت اليوم على إعلانه استنادا إلى الاختلال الخطير والمريع في ميزان القوى. ولا يمكن الرد على ذلك ببيان، وإدانة، أو استنكار، كما لا يستطيع أي طرف فلسطيني ادعاء البراءة من المسؤولية عن المستوى الخطير الذي وصلت إليه قضيتنا.الرد على الخطر المحدق، يجب أن يكون، أولا إنهاء الإنقسام فورا وتشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحدة، تنشغل بإستراتيجية النضال ضد الاحتلال، والضم، والتهويد، والأبارتهايد، وليس بمواصلة الصراع على سلطة يقضمها المحتلون كل يوم، وكل ساعة، ولن يتبقى منها شيء في نهاية المطاف لا في الضفة الغربية، ولا في قطاع غزة، والرد يجب أن يكون بناء استراتيجية وطنية موحدة تستند إلى القناعة الجلية بأننا لسنا في مرحلة حل، بل في مرحلة صراع كفاح ونضال، ضد الحركة الصهيونية.والرد يجب أن يكون بالتركيز على تعزيز الصمود والبقاء الفلسطيني على أرض فلسطين، والمقاومة الشاملة لمنظومة الأبارتهايد والتمييز العنصري، والتحلل الكامل والنهائي ليس من الاتفاقيات التي مزقها الجانب الإسرائيلي فقط، بل من كل القيود والعلاقات التي تعوق تطور النضال الشعبي الفلسطيني، وكل ما يعرقل إعادة توحيد طاقات كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل، وفي الأراضي المحتلة والخارج.هذه لحظة تحول تاريخي، تتطلب رداً بمستوى وخطورة هذا التحول.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية