تبي تكحلها عمتها
"تبي تكحلها عمتها"، هذا هو حال "نزاهة" (الهيئة العامة لمكافحة الفساد)، فبعد أن طالعنا سواد الوجه في خبر هيئة الشفافية العالمية عن الدولة الكويتية التي حلّت في المرتبة الـ 85 عام 2019 في مؤشر مدركات الفساد، بعد أن كانت في المرتبة الـ 78 في 2018، أي تراجعنا سبع درجات لأسفل وقربة مثقوبة ينفخ فيها، هرولت "نزاهة" لترقع ثوب الفشل والعجز عن وضع حدٍّ لوقف عجلة الفساد بالبلاد، وقالت "نزاهة"، وهي تبرر للسلطة التي خلقتها وخلقت بقية مؤسسات الخيبة، إن من أسباب هذا التراجع "عدم إقرار جملة من التشريعات، إلى جانب تداول أخبار العديد من قضايا الفساد، مما أثر في مستوى الثقة بين المجتمع والدولة، وأشاع انطباعاً بعدم إنفاذ القانون على الفاسدين واسترداد الأموال"..."نقص في التشريعات وتداول أخبار الفساد" ما هذا اللغو وهذا التبرير للواقع المزري؟ هذا يذكرنا بحكاية غلق ملف الإيداعات لحسابات نواب "كبت أمي" قبل سنوات بسيطة بحجة غياب التشريع المعاقب، كانت عمليات "رشاوي" واضحة وشراء ذمم رخيصة بأسعار غالية من جيب الدولة، وهو جيبنا المؤتمن عند السلطة، وهكذا أيضاً نسينا قضية التحويلات التي لم تعد قضية، بل حكاية من حكايات الأطفال المسلية.
أي نقصٍ في التشريعات الذي تتكلم عنه "نزاهة"؟ هذه حجة مستهلكة تماماً لتبرير تكرار الفشل وغياب الإرادة والعزم الجادين من السلطة لوقف عجلة الفساد، وليس "التعلث" بغياب التشريعات، بل إن قوانين الدولة تعاني حالة انتفاخ وتورم دائمين، لكنها قوانين غير نافذة على الجميع، هي إما انتقائية في إنفاذها، أو منسية، وفي الحالتين تصبح قوانين بلا حياة ولا وجود. لم نجد حالة غياب التشريعات العقابية حين وقف قلة من النواب الشجعان في مجلس سابق تم قبره عمداً من السلطة، وتكلموا وفضحوا بصوت عال مجلجل حكايات فساد وسرقة الدولة مثل فضيحة "كبَت أمي" والتحويلات، وكانت النتيجة أن تمت ملاحقتهم بسيل من الدعاوى الجزائية، ومطالبات بالتعويضات الرهيبة، حتى يتم إغراقهم في الهرولة الأبدية بين قاعات المحاكم، وكأنهم هم الذين سرقوا وخانوا الأمانة، وفي النهاية تم "تطفيشهم" من البلاد بعد مطاردتهم بقفازات التشريع والعدالة الناعمة... صحيح "خوش" تشريع، و"خوش" عدالة مفتحة العين. وتضيف "نزاهة"، وهي ترقع وتبرر لأسباب الانحدار، سبباً ثانياً وثالثاً مثل تداول أخبار الفساد... ووجود مجلس برلماني غير موجود في دول خليجية حققت تقدماً في مكافحة الفساد! ما هذا الكلام غير المسؤول؟... هل المطلوب أن يصمت البشر وألا يتكلموا عن الفضائح المالية في وسائل التواصل والدواوين وفي وسائل النشر المقيدة بقوانين قمعية حتى تقوم السلطة "بسلامتها" بملاحقة قضايا الفساد وحدها وبضمير مترقب دون ضغط الشارع ولغو الناس؟... "يحليلكم" مع هذا التفسير. كان ذلك من ناحية، ومن ناحية أخرى، إذا كان يُفهم من أن انتشار أخبار الفساد هو بسبب وجود مجلس نيابي، وما شاء الله على الكونغرس الكويتي وإنجازاته الكبيرة... فليحلّ هذا المجلس الرائع إذا كان هو أحد أسباب انتشار أخبار الفساد، و"شوفوا" لكم مجلساً جديداً، يلائم المقاس، ولا يكون سبباً لصداع الرأس المزمن عند هذه السلطة الأبوية، ففي النهاية، كلنا نعرف كيف ستأتي المجالس القادمة، وكيف يتم تفصيلها حسب الجسد الحاكم... لنقل للإخوة في "نزاهة": مارسوا الصمت في مثل ظروفنا المخجلة، شكراً لكم.