تعاني الموازنة العامة للدولة عجزاً مالياً منذ السنة المالية المنتهية في 2015/2016، في حين أعلنت وزيرة المالية وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية بالوكالة مريم العقيل منتصف يناير الجاري مشروع قانون الميزانية العامة للسنة المالية 2020/2021، والمتوقع أن تسجل عجزاً بقيمة 9.2 مليارات دينار، بزيادة 11.2 في المئة على ميزانية السنة الحالية.

وهذا العجز يعتبر الأضخم في تاريخ الكويت، إذ بلغ إجمالي الإيرادات المقدرة 14.8 مليار دينار، منها 12.9 ملياراً إيرادات نفطية، و1.9 مليار غير نفطية.

Ad

هذا يعني أن أكثر من 87 في المئة من إيرادات ميزانية الدولة تعود إلى بيع النفط، في حين تعود نسبة 13 في المئة إلى إيرادات غير نفطية، وهي استثمارات الدولة والرسوم وغيرها من الإيرادات الأخرى.

هنا يبقى السؤال: أين مساهمة أملاك الدولة والقطاع العقاري في تعظيم إيرادات الميزانية، خصوصاً أن القطاع العقاري يعد أكبر ثاني قطاع بعد القطاع النفطي، وهناك عدد كبير من الأراضي والعقارات تعود ملكيتها إلى الدولة، إضافة إلى أن هناك عدداً كبيراً ضمن قائمة نظام الـ «B.O.T».

وخلال السنوات الماضية حاولت الحكومة جاهدة تعزيز إيرادات الدولة وتقليل المصروفات، إذ رفعت الدعوم عن المحروقات كالديزل والبنزين، ورفعت أيضاً تعرفتي الكهرباء والماء على القطاعات العقارية باستثناء القطاع السكني، كما رفعت إيجارات العقارات التي تعود ملكيتها إلى الدولة.

لكن على الرغم من رفع إيجارات العقارات المملوكة للدولة فإنها لم تستفد بالشكل المطلوب، بل تسببت في الكثير من المشاكل وساهمت في رفع معدلات التضخم، فآلية إعادة تشغيل تلك الملكيات، تحتاج إلى العديد من الضوابط كي تستفيد الدولة بشكل كامل من إيراداتها، وبما يراعي المستهلك النهائي.

فمعظم مستغلي أملاك الدولة يقومون بتأجير مواقعهم أو جزء منها في الباطن بأسعار أعلى من العقود المبرمة بينهم وبين وزارة المالية، ثم يقوم الآخر بنفس الخطوة، وبأسعار أعلى، ويستمر ذلك لعدة أشخاص أو جهات، لتصل إلى المستثمر النهائي بأسعار مرتفعة جداً، بالتالي يضطر المستثمر إلى رفع خدماته أو منتجاته على المستهلكين.

حق الانتفاع

وأيضاً يقوم البعض باستغلال تلك العقارات في بيعها «حق انتفاع» بمئات الآلاف من الدنانير، في حين قام البعض الآخر بتحويل أنشطة بعض المرافق إلى أنشطة أخرى تدر عليه أموالاً طائلة.

وعند مقارنة إيرادات الدولة مع إيرادات المستثمرين من تلك المرافق، نجد أنها لا تذكر، وأن هناك ارتفاعاً كبيراً في أسعار إيجاراتها، وهذا ساهم في رفع معدلات التضخم، وأرهق كاهل ميزانية المستهلك النهائي وحرم الدولة مئات الملايين.

يمكن للدولة الاستفادة الكاملة من كل مرافقها التابعة لها، وجعلها مساهماً رئيسياً في الموازنة العامة، في حال قامت بعمل دراسة ميدانية لأسعار الإيجارات في السوق المحلي ووضعت ضوابط مشددة في عقود الإيجار التي تبرمها مع مستغلي أملاك الدولة، ومخالفة من قام بالتأجير في الباطن، والبحث عن المستثمر النهائي، ويجب عليها أيضاً وقف عملية تحويل عقود الإيجار بين المنتفع من العقار أو الأرض إلى مستثمر آخر، وإلغاء كل العقود مع المخالفين.

إضافة إلى ذلك، يمكن للدولة تخصيص مرافقها لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالأسعار السوقية والتعاقد معه مباشرة، وهذا من شأنه تقليل المدة الزمنية لتلك المشاريع ودعمها وتحريك العجلة الاقتصادية.

جميع تلك الخطوات من شأنها زيادة الإيرادات خصوصاً أن الدولة تمتلك عدداً كبيراً من العقارات والأراضي، وأيضاً من شأنه الحفاظ على معدلات التضخم، وعلى أسعار السلع والخدمات من الارتفاعات غير المبررة.

الأراضي الفضاء

ومن بين النقاط التي لم تساهم في دخل الميزانية بالشكل المطلوب هي الأراضي الفضاء، إذ بيّن الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة عن السنة المالية 2018/2019 أن الدولة حصّلت ما قيمته 3.166 ملايين دينار إيرادات رسوم على الأراضي الفضاء، بينما كان المقدر لها 8.500 ملايين أي بفارق 5.383 ملايين.

وأرجعت وزارة المالية تدني الرسوم المحصلة سنوياً على الأراضي الفضاء غير المستغلة في السكن الخاص وفق القانون رقم 8 لسنة 2008 لتنظيم استغلال الأراضي الفضاء إلى انخفاض أعداد الخاضعين للقانون.

ويشير العديد إلى أن أعداد الأراضي الفضاء غير المستغلة ارتفعت ولم تنخفض، وأن انخفاض رسوم التحصيل يعود إلى عدم استجابة البعض لسداد الرسوم المستحقة عليهم، كذلك الوكالات العقارية، وكيفية احتساب أموال الورثة من تركة مورثهم بملكية هذه الأراضي.

الإيرادات العقارية

وعلى الرغم من سعي الحكومة إلى خلق إيرادات بديلة عن الإيرادات النفطية فإنها لم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى القطاع العقاري ثاني أكبر القطاعات في الدولة.

إن التفكير في جعل القطاع العقاري مساهماً رئيسياً في ميزانية الدولة ليس الهدف منه تعظيم الإيرادات من هذا القطاع فقط، بل المحافظة عليه من الارتفاعات غير المنطقية والمضاربين خصوصاً بالعقار السكني الذي يمس المواطن مباشرة.

وجميع بلدان العالم وضعت منظومة متكاملة للقطاع العقاري تم خلالها فرض العديد من الرسوم والضرائب التي من شأنها أن تساهم بشكل أكبر في ميزانية الدولة وتحفاظ في الوقت ذاته على القطاع وأن تكبح جماح الارتفاعات غير المنطقية.

وعادة تكون تلك الضرائب موجهة إلى القطاع السكني بشكل أكبر، وذلك للحد من المضاربين والمستثمرين في هذا القطاع، هذا يعتبر القطاع السكني حاجه ماسة للمواطنين ولا يجوز المضاربة به أو احتكار أكبر قدر من الأراضي أو العقارات.

وتعمل كل دول العالم على حماية قطاع السكن الخاص من دخول التجار والمستثمرين اليه، ففي الكويت توجه العديد من المستثمرين إلى القطاع السكني، خصوصاً بعد استثائه من زيادة تعرفتي الكهرباء والماء.

ضرائب تصاعدية

ويمكن منع المستثمرين من الدخول الى القطاع السكني عن طريق فرض ضرائب تصاعدية على متاجري العقارات السكنية، بحيث كلما قام شخص بشراء منزل إضافي تقوم الدولة بفرض ضرائب تصاعدية عليه، وبتلك الطريقة لن تقوم المجاميع بالاستثمار في القطاع السكني لأنها لن تستطيع تحقيق أرباح بفعل الضرائب.

كما أن هناك عدداً كبيراً من الرسوم والضرائب شرعت معظم دول العالم في فرضها، وعلى سبيل المثال ضريبة ارتفاع في قيمة العقار، ورسوم على عقود الإيجار المبرمة بين المستأجر والمؤجر.

إضافة إلى ذلك فإن هناك رسوماً مرتفعة على مخالفي البناء، وفي الكويت أصبحت مخالفة قوانين البناء والتشييد ظاهرة، وقد عانت منها العديد من الدول، إذ يمكن حل هذه المسألة عن طريق فرض رسوم كبيرة على كل متر مخالف، وهذا ما تقوم به معظم الدول.