في نادي الأثرياء *
للأثرياء نواديهم، جماعاتهم، بيوتهم، يخوتهم، استراحاتهم، منتجعاتهم، مشروباتهم، محلاتهم، سيجارهم، عرباتهم الفاخرة المفصلة بشكل مخصوص، وأيضا اجتماعاتهم الفاخرة، إما عند شاطئ بحري جميل في بقعة تبدو قطفت للتو من الجنة وأنزلت على الأرض لأجل "عيونهم" طازجة، أو تلك التي تبتعد عن أعين المتطفلين عند رأس الجبل حيث البياض كالقطن على امتداد البشر. أحيانا يفتح الأثرياء أبوابهم ليطل البعض القادم من الشريحة الرقم (ب) أو (2) حسب تصنيفاتنا نحن، فالبشر درجات حسب الحسابات المصرفية والممتلكات، يجلسون هم لأنهم ربما بحاجة لجمهور في تلك الاجتماعات، جمهور ينبهر وهو يحتسي قهوته في بهو ذاك الفندق الفخم، وإلا بذلك الوزير أو الرئيس أو الأمير يمر بحاشيته الكبيرة وتجري خلفه بعض الفاتنات ربما لاصطياد صورة سلفي أو لاصطياد أكبر من ذلك!يبدو المشهد في نادي الأثرياء حتى الآن طبيعياً لا يختلف عن ذاك المشهد فوق يخت هو الأكبر في العالم استغرق بناؤه أكثر من ثلاثة أعوام وتكلف ملايين لا أعرف كيف أعدها أو حتى أكتبها! لا شيء غريب، نساء ورجال يحتسون الشمبانيا والكافيار ويرقصون على وقع الموسيقى الصاخبة حتى الثمالة، لا شيء هنا مختلف فاحتفالات الأثرياء واجتماعاتهم كلها تحمل لمحة من الرفاهية المفعمة وآخر صيحات الموضة في كل شيء حتى الشراب والأكل.
ومن بين الصور المتلاحقة والتغطية المتواصلة على كل المحطات التلفزيونية، تبرز مشاهد لبعض "المتطفلين" نعم متطفلين على نادي الأثرياء، وإلا فماذا يفعل العاملون في المنظمات والهيئات الإنسانية وسط كل هذا الاسترخاء وأصوات من يعملون من أجلهم تصل إلى السماء السابعة من هول البرد والجوع؟ ماذا يفعل ذاك الذي يظهر في المخيمات بين الجالسين في خيم أرضها طين وسقفها خيش لا يصد مطرا ولا ريحا قاسية؟ "نحن هناك لأننا نعرض على الأثرياء معاناة المحرومين والفقراء حتى يتلطفوا ويتكرموا ويتبرعوا". جميل ذاك الرد إلا أننا لم نسمع إلا بكثير من الصفقات المليونية التي يوقع عليها على موائد الغداء والعشاء... مزيد من الملايين، فالمال يحب المال فقط، يقول ذاك الثري القادم من فلوريدا ويضحك وهو ممسك بسيجار كوبي على شكل صاروخ أرض- جو! يتراكض المعنيون القادمون من تلك المنظمات التي يحمل موقعها على شبكة الإنترنت كل صور البؤس والدمار، نساء وأطفال بملابس ممزقة، رجال يحملون ما تبقى من ممتلكاتهم هائمين على وجوههم حاملين أطفالهم الصغار ملتحفين بقماشة أو ما تبقى من بطانية تلطفت بها عليهم تلك المنظمة العريقة. اجتماعات الأغنياء مثل هذه تبدو مزيجا من تبادل الصفقات بين "القبيلة الجديدة" أي "قبيلة الأغنياء الجدد"، وبين "الشحاتين" أو الطراروة كما نقول في الخليج! لم يكن الثراء يوما ولا الشحاتة صفات النبلاء كما درسناها في كتاب القراءة الأول عندما كانت عقولنا البريئة تتصور أن العالم لا يتكون إلا من أخيار وأخيار أكثر فقط. أشخاص بقلوب كبيرة يساعدون أشخاصا تعثر بهم الزمن، فلم يستطيعوا إلا أن يوفروا قوت يومهم بكرامة وتعال على تسميتهم بالفقراء. عندما كان الدعم المالي من الغني للفقير يسمى تكافلاً لا حسنة أو مكرمة، عندما كانت الجارة تدق باب جارتها بأطباق شهية مرددة من شدة حرجها أن تفهم وكأنها تحسن لجيرانها "أحببت أن أشارككم لقمتنا"، فنحن كنا نردد بيننا "عيش وملح"، فذاك يعني الوفاء، عندما كانت مدرّسة الدين تقول يجب أن يكون الإحسان في السر حتى لا تعرف اليد اليسرى ما فعلته اليد اليمنى! الآن تمنح التبرعات والمساعدات أمام عدسات التلفزيونات، ومطلوب من الفقراء أن يبتسموا ويفرحوا لأن مؤسسة ما حنت عليهم وأحضرت لهم كيساً من الطحين والرز وبطانية! في اجتماعات الأثرياء يبدو المشهد مشابهاً، يجري "الشحاتين" خلف الأثرياء، دول أو أفراد ويظهرون في مقابلات وأحاديث ربما لتبرير وجودهم ضمن ذاك المشهد البعيد جدا جدا عن الواقع المرير، ربما بُعد رأس ذاك الجبل عن سهل البشر العاديين. ترفع الكراسي والكثير من صناديق المشروبات والمأكولات الثمينة وترحل حقائب السفر، وتبقى تلك العيون التي صدقت أن اجتماعات الأثرياء تلد الملايين لهم عندما صدقوا أن مثل هذه الاجتماعات تعقد لتحل مشاكل الفقر والجهل وانعدام العدالة، الأمر المضحك جدا، فكيف يقوم صانعو الفقر بمحاربته؟ ومتى كان ذاك الثري الذي يحب المال مستعداً أن يتوقف عن الدعس على كل القيم من أجل مليون آخر؟* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية