بدون إلزام قانوني تم التعارف أن بعض وزارات الدولة أخذت لقب السيادية، ومنذ أن تشكلت أول وزارة عرفنا أن هذه الوزارات لا يشغلها إلا أبناء الأسرة، وهكذا عرفنا أن وزارات الدفاع والخارجية والداخلية هي الوزارات التي خصصت لأبناء الأسرة، وهذا لا يعني أن أحدا من الشيوخ لم يتولّ وزارة أخرى لكن هذه الوزارات الثلاث بالذات لم يشغلها إلا أبناء الأسرة إلا في تشكيل الوزارة الأخيرة، فقد أخرجت وزارة الداخلية لأسباب ما من قائمة الوزارات السيادية. لكن هناك وزارات سيادية أخرى ترى الأحزاب الدينية أنها خاصة بهم لا يقبلون أن يتولاها غيرهم أو أحد يقترحونه أو يعرفون ميله لهم أو خوفه منهم، هذه الوزارات هي الأوقاف لأهميتها لهم للتوجيه وتوظيف الأئمة من كوادرهم أو أصحابهم من الهاربين من دول أخرى، ولضمان أن منابر المساجد وكل مطبوعات وزارة الأوقاف تنسجم مع أطروحاتهم في الدين وفي السياسة واستخدام هذه المنابر لدعم أنشطة هذه الجماعات.
الوزارة السيادية الثانية هي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فهذه الوزارة التي تسمح وتمنع وتقرر في أنشطة العمل الخيري، وتحصي نشاط هذه الجمعيات وأعضاءها وعمالها ومن تستقدم لنشر دعواتها، وتحصر أموالها وتجيز وتمنع حملات جمع الصدقات والزكوات، وتراقب مخالفاتها، وتسمح أو ترفض توسعها وفتح فروع جديدة لها، وهو ما أثار العاصفة التي تعرضت لها الوزيرة الجديدة لأنها لم تأت من تحت عباءتهم.الوزارة الأخرى هي وزارة التربية والتعليم العالي التي يعتبرونها سيادية، وإن لم يحاولوا جاهدين لاستلامها، ليس لأنها غير مهمة لهم، لكن لأنهم يسيطرون عليها من الداخل، وقد أفشلوا جهود كل الوزراء السابقين لإصلاح التعليم من خلال كوادرهم التي تسيطر على جمعيات المعلمين والطلبة وبعض قياديي الوزارة. عينهم أيضا على وزارة الإعلام، لكن لم يستطيعوا ضمها لوزارات السيادة لأسباب كثيرة، ولم يحاربوا كثيراً من أجلها لأن هذه الوزارة كانت عونا غير مباشر لهم لنشاطها المعروف في وأد الكتب ووسائل النشر والتضييق على حرية التعبير، وهو ما تفرح به هذه الجماعات وتشجع عليه.لذلك ليس بغريب أن تستقبل وزيرة الشؤون الاجتماعية بهذا السيل الهزيل من الاتهامات لو طبقناها على كل الوزراء وكل قياديي الدولة لما بقي لنا وزير واحد. من منا لم يكن في وزارته أو شركته قريب من أهله المقربين أو البعيدين؟ الكويت عمليا كلها عائلة متصلة ولا يمكن أن تخلو وزارة أو دائرة من قريب هنا أو هناك، وبعض هؤلاء الأقارب يستفيدون من خدمات وزاراتهم، ويحصلون عليها لأن النظام يتيح لهم هذه الخدمات ولا تحتاج لوزير للتصريح بها، فهل هذا سبب تقابل به وزيرة لم تبدأ عملها بعد؟كل هذه الحجج بما فيها الضجة التي أقاموها على تصريحات سابقة أو اعتناقها أفكارا لا تقع ضمن الشروط التي وضعوها لمن يتولى هذه الوزارة ما هي إلا احتجاج على احتمال خروج وزارة الشؤون عن سيادتهم. لو لم يكونوا يخشون شيئا لانتظروا عاما أو عامين وراقبوا عمل الوزيرة وحصروا أخطاءها إن أخطأت وحاكموها، لأن هذا دور مجلس الأمة، يشرعون ثم يراقبون من يخرج عن هذا التشريع، وبناء على جسامة المخالفة تكون جسامة العقاب. الأمر ليس متروكا للعبث ولا لأغراض خاصة ولا للاستعراض العام وخديعة الناس بالادعاء بحماية القانون والمال العام، فهل قمتم بهذا الدور أصلا وأنجزتم ما أقسمتم عليه، ولم يتبق إلا شخصية الوزيرة الجديدة؟
مقالات
وزارات سيادية
28-01-2020