كشكلٍ من أشكال اختزال الأزمنة والأمكنة في عالم الكتابة، وجدتني في مقال اليوم أستحضر من برزخ العالم الآخر شاباً في الرابعة والعشرين وآخر في الخامسة والأربعين – هكذا كان عمرهما – حينما توفيا عام 1800، ولم يكن في الحسبان أن يتقابلا أبداً... ولكن ورشة أفكار وأقلام جريدة الجريدة استحضرتهما، ليقف القراء على ومضة من تاريخهما بعد هذا الحوار القصير الدال على تلاحم العرب عند الكوارث والملمات.***
- لم أعرفك في بداية الأمر... ولكن لما تمعنت فيك عقب النظر إليك طويلاً عرفت من أنت.- تعني أنه سبق لنا أن التقينا؟!- كان لقاءً سريعاً جداً لم يتجاوز بضع دقائق.- غريب!... وأين كان ذلك اللقاء؟- حاول أن تتذكر.- أنا شخصياً لا أذكر... ومع ذلك... انتظر لحظة... انتظر انتظر... أجل... أجل... يخيل إلي أني رأيتك... أين؟! أين؟... يا الله... يا الله... إن وجهك هذا يذكرني بشيء خطير حدث لي في حياتي!- ها قد بدأت تتذكر يا جنرال كليبر.- أو تعرف اسمي أيضاً؟- وأعرف أنك كنت قائد العسكر الفرنسي أيام حملة بونابرت على مصر العزيزة.- ولكنني لا أعرف حتى اسمك.- لأنني لم أتح لك الفرصة لتتعرف علي... بل لأنني لم أمنحك الفرصة... فما التقيتك سوى بضع دقائق.- أين؟- في حديقة الأزبكية.- آه... آه... الآن تذكرت... أنت الشاب الذي طعنني أربع طعنات قاتلة.- تماماً...- وما اسمك أيها القاتل؟- بل قل المنتقم لوطنه سليمان الحلبي السوري الذي ثأر لأخيه المصري.- أشكرك يا سيد سليمان.- على ماذا؟- لقد كنت دائماً أتمنى أن أموت ميتة سريعة وأنت حققت لي تلك الأمنية في طعناتك الأربع.- أعتقد أن أنفاسك أُخمدت من الطعنة الثالثة، ولكنني طعنتك الرابعة لكي أتأكد من موتك.- كيف تمكنت من الوصول إليَّ لتقتلني يا سليمان؟- تتبعتك من الجيزة حتى قصرك في الأزبكية وتسللت إلى حديقة القصر.- وبعدين؟- اختبأت خلف شجرة ويدي على خنجري، وسمعتك تُحدث أحد كبار موظفيك وتقول له: بطشت بالمصريين فلن تقوم لهم قيامة بعد اليوم... ثم صرخت على الخادم عثمان أن يحضر لك كوباً من الشراب فتركت الشجرة وظهرت أمامك وبسرعة البرق أرديتك بطعناتٍ مميتة.- ولكنك في تلك اللحظة طلبت يدي لتقبلها؟- نعم... لكي تمد يدك ولا تصرخ لجندك طالباً النجدة فواصلت طعناتي لجسمك.- لا شك أنك كنت تكرهني جداً؟- جداً... جداً... جداً.***• انتهى الحوار وعاد الاثنان إلى برزخهما بعد أن حصلنا منهما على ومضات تاريخية مستخرجة مما سطّرته لنا كتب التاريخ.
أخر كلام
سياحة تاريخية!
28-01-2020