رائع أن تتبنى جريدة القبس، في افتتاحيتها الأحد الماضي، دعوة وزارة الخارجية إلى أن تتعقل وتتوقف عن التعسف في تطبيق نصوص قانون الجزاء والمدونات، وهما أبعد ما يكونان عن قضايا حرية التعبير، فقد وجهت نداء لهذه الوزارة التي تتحرك في تقديم الشكاوى ضد المواطنين كالريشة في مهب الريح، وتسارع لتقديمهم للمحاكمة والسجن، حين يبدي المواطن رأياً في نهج دولة أجنبية. إلا أن هذا الرأي في الافتتاحية رافقته للأسف دعوة مناقضة تنسف ما شرعت به الافتتاحية حين ذكرتنا بالمطالبة الدائمة للقبس بـ "... تطبيق أقصى العقوبات على مثيري الفتن والعابثين بأمن البلاد من خلال حسابات وهمية، صنعوها لمآرب شيطانية... إلخ"، وتمضى الافتتاحية في هذا الشق بلغة الخطاب الرسمي الواعظ، ولهجة التهديد والوعيد التي تضج بها لغة السلطة الأمنية ومن يزايد عليها، وكأنك يا بوزيد ما غزيت!قضية الحرية لا تتجزأ، فلا يمكن أن أدعو إلى حرية إبداء الرأي في شق معين، ثم أدعو إلى نفي هذه الحرية في شق ثان هو الوجه الآخر للعملة ذاتها، فحين ندعو إلى وقف شكاوى وزارة الخارجية ضد المغردين ثم نأتي للمطالبة بعقوبة مشددة على الحسابات الوهمية أو قنوات الفتن (تعبير الافتتاحية)، مثلاً، فهذه تعد ازدواجية بالمعايير في تقدير العدالة وفهم أبعاد الحرية، فقد تلحق بنا بعض الأضرار من تغول بعض الحسابات "الوهمية وقنوات الفتن"، إلا أن هذه تكلفة علينا تقبلها كثمن للحرية، ففي اللحظة التي ندعو فيها إلى تغليظ العقوبة أو مد نطاق الحظر والزجر لممارسات أخرى، سترتد نتائج تلك المطالبات على قضية حرية الضمير ذاتها، وتجد السلطة في هذه المناسبة الداعية إلى العقوبة والتشدد غايتها لمصادرة القليل مما تبقى لدينا من الحريات، والكويت خلال السنوات القليلة الماضية، ومنذ نهاية أيام الربيع العربي 2012، تحيا حرية التعبير في أسوأ زمن لها، ويا حسافة.
أخر كلام
الحرية لا تتجزأ
28-01-2020