فرصة لإعادة النظر في السياسة الأميركية تجاه روسيا
يشير إعلان الرئيس فلاديمير بوتين عن تعديلات في الدستور الروسي، خلال خطاب حالة الأمة هذا الشهر، ثم استقالة رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف، إلى بدء حقبة سياسية جديدة في روسيا، ومع دخول البلد مرحلة انتقالية محتملة يزيد فيها التركيز على الشؤون الداخلية، ستحصل الإدارة الأميركية المقبلة على فرصة لتطوير مقاربة غير شخصية تجاه روسيا، بناءً على تقييم عقلاني مفاده أن التحديات التي تطرحها روسيا حقيقية وتتجاوز شخص بوتين.عملياً، ترتكز السياسة الخارجية الروسية على إجماع عميق حول ضرورة أن يحافظ البلد على مكانته كقوة عظمى ومستقلة بالكامل، بمستوى الولايات المتحدة، وكقوة إقليمية مُهيمِنة في أوراسيا، وحتى لو أخذ بوتين البلد في اتجاه صدامي منذ احتجاجات 2011 (ينسبها إلى الولايات المتحدة ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون)، تبقى الأهداف والأدوات الكامنة وراء السياسة الخارجية الروسية ثابتة نسبياً. أدى تركيز واشنطن على بوتين دون سواه إلى تصعيب إجراء تقييم منطقي للعلاقات الأميركية الروسية.من الواضح الآن أن التركيز على بوتين يوشك على الانتهاء، صحيح أن بوتين استبعد تغيير الدستور للسماح لشخصٍ واحد بتولي منصب الرئاسة لأكثر من ولايتَين، لكنه سيبقى حتماً صانع القرار الأساسي داخل النظام السياسي الروسي. لم تتّضح التركيبة المؤسسية المنتقاة بعد، فقد يصبح بوتين مجدداً رئيس الوزراء في عهد رئيس جديد يثق بولائه له، أو يبقى رئيس مجلس الدولة (هيئة استشارية تتألف من محافظي المناطق ونوابهم وقد اقترح بوتين منحها "مكانة دستورية").
هذه المناورات تشبه ما فعله الحكام المستبدون المسنّون في الصين وسنغافورة وكازاخستان وبلدان أخرى لضمان عملية انتقالية مستقرة. هي لا توحي مباشرةً بأن بوتين يحاول الاحتفاظ بالسلطة إلى الأبد، فقد ذكر في عطلة نهاية الأسبوع أن العودة إلى الوضع الذي كان سائداً خلال الثمانينيات، حين بقي قادة الدولة في السلطة، ستكون مقلقة جداً، لكنه لم يحدد الشروط اللازمة لانتقال السلطة. يبدو أن روسيا بدأت تطلق مرحلة انتقالية، ومن الواضح أنها لا تنوي زعزعة علاقتها السامة أصلاً مع الولايات المتحدة، وبالكاد تطرّق بوتين إلى السياسة الخارجية، ولم ينتقد الغرب كما كان يفعل في عدد كبير من خطاباته السابقة، عدا عن التعديل الدستوري، ركّز بشكلٍ أساسي على المسائل المحلية، منها تحسين التعليم، والرعاية بالأطفال، ومواضيع اجتماعية واقتصادية أخرى كتلك التي أجّجت الاحتجاجات الأخيرة. تكشف مؤشرات أخرى أيضاً أن الكرملين يدرك مخاطر المبالغة في تصعيد مواجهته للغرب، ولا شك أن روسيا ستتابع تدخلاتها القليلة الكلفة في بلدان مثل ليبيا، لكن من المستبعد أن تُحدِث أزمة كبرى في أوروبا.بنظر الولايات المتحدة، يفرض هذا الواقع اتخاذ موقف مبني على الانتظار الحذر، وبسبب الانتماءات الحزبية ومحاولة عزل الرئيس الأميركي والانتخابات المنتظرة هذه السنة، لا تستطيع واشنطن أن تتخذ خطوات كبرى في الوقت الراهن أصلاً، لكن لطالما كانت السياسة الأميركية تلقائية ومعروفة في هذا الإطار. قد يكون التدخل السياسي الروسي والتهديد باستعمال القوة العسكرية والحروب في أوكرانيا وسورية أسباباً مباشرة للأزمة الراهنة، لكن تعود خلفية هذه الأحداث إلى التردد في اعتبار الأهداف الروسية مشروعة خلال التسعينيات أو إعطاء موسكو حصة في الهندسة الأمنية في حقبة ما بعد الحرب الباردة.أدت هذه العوامل كلها إلى تصعيد المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، وانهيار قنوات التواصل التي نشأت لتخفيف حدة الأزمات، وإقامة شراكة وثيقة بين روسيا والصين لكبح النفوذ الأميركي، وفي حين ترسم روسيا مستقبلها خلال السنوات المقبلة، ستحصل الولايات المتحدة على فرصة ممتازة لتطوير مقاربة جديدة لا تُركّز على إظهار بوتين بصورة كاريكاتورية شريرة باعتباره مصدر جميع المشاكل.* جيفري مانكوف * «ذا هيل»