قبل ساعات من خروج خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط إلى النور بعد أكثر من سنتين من العمل بتكتم وتأجيل إعلانها مرات عدة، دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح وقادة الأجهزة الأمنية وبعض قادة حماس في الضفة للمشاركة في اجتماع القيادة الطارئ، لمناقشة تداعيات إطلاق «صفقة القرن» وآليات الرد عليها.ومع إطلاق الفصائل الفلسطينية مسيرات من كل أنحاء الضفة الغربية وصوب منطقة الأغوار والاشتباك مع القوات الإسرائيلية قرب نقاط التماس، قررت الجامعة العربية عقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية السبت المقبل في القاهرة بحضور عباس لمناقشة خطة ترامب.
وفي حين أوضح الأمين المساعد للجامعة حسام زكي أن «وزراء الخارجية سيبحثون ما يسمى بصفقة القرن بناء على طلب فلسطين»، أصيب عشرات الطلاب بمواجهات استخدمت فيها القوات الإسرائيلية الغاز المسيل للدموع في مخيم العروب شمال الخليل.وفيما أعلنت «فتح» أنها ستبقى في حالة «استنفار لمواجهة هذا التحدي المفروض»، احتشد أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني في غزة احتجاجاً على الخطة وجابوا شوارع المدينة وأحرقوا الأعلام الأميركية وصور ترامب على وقع هتافات «لا لا للصفقة» و«الصفقة لن تمر».من جانبها، حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية من تصعيد «إرهاب» المستوطنين في ظل الإعلان عن «صفقة القرن»، مدينة بـ«أشد العبارات اقتحامهم لبلدة عينابوس جنوب مدينة نابلس، وإقدامهم على إحراق صف دراسي في مدرسة ذكور البلدة الأساسية، وخطّ شعارات عنصرية معادية تهدد بهدم منازل بالقرية غداة إحراقهم مسجد قرية الشروفات بقرب بيت صفافا».
قاعدة التسوية
بدوره، أعلن المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن المسؤولين الأميركيين لم يتشاوروا مع نظرائهم الروس عند إعداد خطة السلام ولا نعرف ماهيتها، مؤكداً أنها «تتجاهل قاعدة التسوية التي يعترف بها المجتمع الدولي».ولاحقاً، ذكر مسؤول إسرائيلي أن نتنياهو سيتوجه من واشنطن إلى روسيا اليوم لإطلاع الرئيس فلاديمير بوتين على خطة السلام، وربما إعادة المسجونة الإسرائيلية-الأميركية نعمة يساكر، المتهمة بالاتجار بالمخدرات.غور الأردن
وقبل الإعلان عن خطة ترامب، قرر الجيش الإسرائيلي أمس تعزيز قوات سلاح المشاة في غور الأردن، الذي يمثل نحو ثلث مساحة الضفة الغربية المحتلة ويقع معظمه في المنطقة (ج) التي تسيطر إسرائيل على 60 في المئة منها فعلياً ويطالب نتنياهو بتشريع ضمه بالكامل في الكنيست والمصادقة عليه.وتحسباً للمسيرات الرافضة لـ»صفقة القرن»، أغلق الجيش الإسرائيلي بالسواتر الترابية الطريق لمستوطنة «بيت إيل» وبوابة حديدية على الطريق الواصل بين مدينة البيرة ومخيم الجلزون للاجئين، ونصب خياماً على تلة قبالة مدينة البيرة، وأطلق منطاداً يحمل كاميرات مراقبة ونشر آليات وجرافات بكثافة بالمنطقة.إعلان ترامب
وفي مسعى لإظهار مدى التقارب مع إسرائيل بعهده، لم يعلن ترامب بمفرده رسمياً عن الصفقة من البيت الأبيض، بل وقف إلى جانبه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو «صديقه الكبير» الذي استقبله منذ أمس الأول، في مكتبه البيضاوي.وتتضمن الصفقة ضم 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل، وكذلك جميع مستوطناتها بموجب تعديل حدود وتبادل أراض، وإخلاء بعض النقاط الاستيطانية الصغيرة، وتسليم الفلسطينيين الـ 70 في المئة، الباقية ليؤسسوا عليها دولة منزوعة السلاح.كما تتضمن الخطة حرية عمل كاملة للجيش والأمن الإسرائيلي داخل الدولة الفلسطينية، وبقاء الأقصى والبلدة القديمة من القدس تحت سيادة إسرائيل مع إمكانية تسليم السلطة أحياء شرقها، وأخيراً سيطلب من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ونزع سلاح غزة و»حماس».وتقضي الخطة بضم غور الأردن، المنطقة الاستراتيجية الواسعة في الضفة الغربية، والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية لإسرائيل والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لها.إلى ذلك، شدد نتنياهو على أنه «لن يسمح لخصومه السياسيين باستخدام الحصانة من قضايا الفساد الثلاثة، الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال المتهم بها، لزعزعة الخطوة التاريخية التي يقوم بها»، معلناً أنه أبلغ رئيس الكنيست بسحب طلبه لها على أن يقضي في وقت لاحق على الادعاءات «السخيفة المعدة ضده».ونشر نتنياهو، الذي تشمل اتهاماته الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال بياناً على «فيسبوك»، اعتبر أن إجراءات الحصانة في البرلمان كانت ستصبح «سيركاً» وأنه لا يريد المشاركة في هذه «اللعبة القذرة».وعلى الفور، أعلنت وزارة العدل عن تقديم لائحة الاتهام بحق نتنياهو، الذي يعد أطول رؤساء وزراء إسرائيل بقاء في السلطة، إلى المحكمة المختصة في مدينة القدس، وقد يواجه عقوبة بالسجن عشر سنوات إذا أدين بالرشوة وعقوبة أقصاها السجن ثلاث سنوات إذا أدين بالاحتيال وخيانة الأمانة.ويشتبه في أن نتنياهو قَبِل بما يخالف القانون هدايا قيمتها 264 ألف دولار قال الادعاء إنها شملت السيجار والشمبانيا من أقطاب أعمال وقدم مزايا تنظيمية مقابل تحسين التغطية له في أكبر صحيفة في إسرائيل من حيث التوزيع، وهي يديعوت أحرونوت، وفي موقع «والا» على الإنترنت.وبدا أن محاولة الحصول على حصانة برلمانية محكوم عليها بالفشل منذ البداية إذ يفتقر نتنياهو للأصوات الكافية في المجلس للموافقة عليها.